قال فى الحاشية الفاسية : والظاهر فى الاستثناء كونه متصلا ، وأطلق الظلم باعتبار منصب النبوة ، وإشفاقهم مما لا يشفق منه غيرهم ، كما اتفق لموسى فى مدافعة القبطي عن الإسرائيلى ، مع أن إغاثة المظلوم مشروعة عموما ، ولكن لمّا لم يؤذن له خصوصا عد ذلك ظلما وذنبا. وأما ما سرى من القتل فلم يقصده ، وإنما اتفق من غير قصد. ه.
قوله : (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) أي : أتبع زلته حسنة محلها ، كالتوبة وشبهها ، (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أقبل توبته ، وأغفر حوبته ، وأرحمه ، فأحقق أمنيّة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : تقدم بعض إشارة الآية فى سورة طه (١). وقوله تعالى : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ...) تقدم قول ابن عباس وغيره : أن المراد بمن فى النار : نور الحق تعالى. قال بعض العلماء : كانت النار نوره تعالى ، وإنما ذكره بلفظ النار ؛ لأن موسى حسبه نارا ، والعرب تضع أحدهما موضع الآخر. ه. ومنه حديث : «حجابه النار ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شىء أدركه بصره» (٢) ، أي : حجابه النور الذي تجلى به فى مظاهر خلقه ، فالأوانى حجب للمعانى ، والمعاني هى أنوار الملكوت ، الساترة لأسرار الجبروت ، السارية فى الأشياء.
وقال سعيد بن جبير : (هى النار بعينها) (٣) ، وهى إحدى حجب الله تعالى. ثم استدل بالحديث : «حجابه النار» ومعنى كلامه : أن الله تعالى احتجت فى مظاهر تجلياته ، وهى كثيرة ، ومن جملتها النار ، فهى إحدى الحجب التي احتجب الحق تعالى بها ، وإليه أشار ابن وفا بقوله :
هو النور المحيط بكل كون
ولا يفهم هذا إلا أهل الفناء فى الذات ، العارفون بالله ، وحسب من لم يبلغ مقامهم التسليم لما رمزوا إليه ، وإلا وقع الإنكار على أولياء الله بالجهل ، والعياذ بالله.
__________________
(١) راجع المجلد الثالث ، ص / ٣٧٩ ـ ٣٨٠.
(٢) بعض حديث رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وأخرجه مسلم فى (الإيمان ، باب فى قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا ينام» ، ١ / ١٦١ ، ح ١٧٩) ، وأحمد فى المسند (٤ / ٤١٠) بلفظ «حجابه النار ، وجاء فى رواية عند مسلم ، فى الموضع السابق ، وأحمد فى المسند (٤ / ٤٠٥) وابن ماجه فى (المقدمة ، باب فى ما أنكرت الجهمية ١ / ٧٠ ـ ٧١ ح ١٩٥ ـ ١٩٦) بلفظ «حجابه النور» (انظر شرح الحديث فى مسلم بشرح النووي ٣ / ١٤ ـ ١٦)
(٣) ذكره البغوي فى تفسيره (٦ / ١٤٥).