رضي الله عنه : صعد النبي صلىاللهعليهوسلم الصّفا ، ونادى : «يا صباحاه» : فاجتمع الناس ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «يا بنى عبد المطلب ، يا بنى فهر ، إن أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل ، تريد أن تغير عليكم ، صدقتمونى؟ قالوا : نعم. قال : فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم ، ما جمعتنا إلا لهذا»؟ فنزلت : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (١).
ثم قال : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) أي : وألن جانبك وتواضع ، وأصله : أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه ، فجعل خفض الجناح مثلا فى التواضع ولين الجانب. ويكون ذلك التواضع (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من قرابتك وغيرهم. (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) أي : أنذر قومك ؛ فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك ، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ، ومن أعمالهم ؛ من الشرك وغيره.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي : على الذي يقهر أعداءك بعزته ، وينصرك عليهم برحمته ، فإنه يكفيك شر من يعاديك. (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) للتهجد ، (وَ) يرى (تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ؛ فى المصلين. أتبع كونه رحيما برسوله ما هو من أسباب الرحمة ، وهو ذكر ما كان يفعله فى جوف الليل ، من قيامه للتهجد ، وتقلبه فى تصفح أحوال المتهجّدين ، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون. وقيل : معناه : ويراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلبك فى الساجدين : تصرفه فيما بينهم ، بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم. وعن مقاتل : أنه سأل أبا حنيفة : هل تجد الصلاة بالجماعة فى القرآن؟ فقال : لا يحضرنى ، فتلا له هذه الآية. وقيل : تقلبه فى أصلاب الرجال. وروى عنه صلىاللهعليهوسلم فى الآية أنه قال : «من نبى إلى نبى حتى أخرجتك نبيا» (٢).
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما تقول ، (الْعَلِيمُ) بما تنويه وتعمله. هوّن عليه مشاقّ العبادة ، حيث أخبره برؤيته له ، إذ لا مشقّة على من يعلم أنه يعمل بمرأى من مولاه ، وهو كقوله فى الحديث القدسي : «بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلى». والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغى لمن أهّل للوعظ والتذكير أن يبدأ بالأقرب فالأقرب ، ولو علم أنه لا ينتفع به إلا النزر القليل. فمن تبعه على مذهبه فليلن له جانبه وليتواضع له ، ومن أعرض عنه واشتغل بهواه فليتبرأ من فعله ، ولا ينساه من نصحه ، ولذلك قال تعالى : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ، ولم يقل : «منكم» ، وهذا مذهب الجمهور ،
__________________
(١) أخرجه البخاري فى الموضع السابق ذكره (ح ٤٧٧٠) و (تفسير سورة «تبت يدا أبى لهب وتب») ، ومسلم فى الموضع السابق ذكره (١ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ح ٣٥٥).
(٢) انظر تفسير الطبري (١٩٠ / ١٢٣ ـ ١٢٤) وتفسير البغوي (٦ / ١٣٤).