السحابة صيح بهم فهلكوا. (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي : فى الشدة والهول ، وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) قيل : آمن بشعيب من القسمين ـ مدين والأيكة ـ تسعمائة إنسان ، أو : وما أكثر قريش بمؤمنين بهذا ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
هذا آخر القصص السبع التي أوحيت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لصرفه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن الحرص على إسلام قومه ودفع تحسر فواته ، تحقيقا لمضمون ما مر فى مطلع السورة الكريمة من قوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ..) (١) ، إلخ ، (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا ...) (٢) الآية ، فإن كل واحدة من هذه القصص ذكر متجدد النزول ، قد أتاهم من جهته تعالى ، بموجب رحمته الواسعة.
(وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) بعد ما سمعوها على التفصيل ، قصّة بعد قصة ، ليتدبروا فيها ، ويعتبروا بما فى كل واحدة من الدواعي إلى الإيمان ، والزجر عن الكفر والطغيان ، وبأن يتأملوا فى شأن الآيات الكريمة ، الناطقة بتلك القصص ، على ما هى عليه ، مع علمهم بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يسمع شيئا من ذلك من أحد أصلا ، فلم يفعلوا شيئا من ذلك ، واستمروا على ما كانوا عليه من الكفر والضلال. وبالله التوفيق.
الإشارة : كما أمر الله تعالى بوفاء المكيال ، أمر بالوفاء فى الأعمال ، ووفاؤها : إتقانها وإخلاصها ، وتخليصها من شوائب النقص ، فى الظاهر والباطن. وكما أمر بالعدل فى الميزان الحسى بقوله : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) ، أمر بالعدل فى الميزان المعنوي ، وهو وزن الخواطر بالقسطاس الشرعي ، فكل خاطر يخطر بالقلب يريد أن يفعله أو يتكلم به ، لا يخرجه حتى يزنه بميزان الشرع ، فإن كان فيه نفع أخرجه كما كان ، أو غيّره ، وإن كان فيه ضرر بادر إلى محوه من قلبه ، قبل أن يصيرهما أو عزما. فيعسر رده. وبالله التوفيق.
ثم ذكر شواهد حقيّة القرآن ، فقال :
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ
__________________
(١) الآية ٣ من هذه السورة.
(٢) الآيتان ٥ ـ ٦.