رؤساؤهم ، الذين أضلوهم ، وإبليس وجنوده ، ومن سنّ الشرك. وليس المراد قصر الإضلال على المجرمين دون من عداهم ، بل قصر ضلالهم على كونه بسبب إضلالهم ، من غير أن يستقلوا به ، وهذا كقولهم : (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (١). وعن السّدّى : هم الأولون الذين اقتدوا بهم. وأيّا ما كان ففيه التعريض للذين قالوا : (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ).
ثم قالوا : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وغيرهم ممن أهّل للشفاعة. (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) كما لهم أصدقاء ؛ إذ لا يتصادق فى الآخرة إلا المؤمنون ، وأما الكفار فبينهم التعادي كما يأتى فى الآية. أو : ما لنا من شافعين ، ولا صديق من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن أصنامهم تشفع لهم عند الله ، وكان لهم أصدقاء من شياطين الإنس ، فلم ينفعهم شىء من ذلك. وجمع الشفعاء ووحّد الصديق ؛ لكثرة الشفعاء. وأما الصديق ، وهو الصادق فى ودادك ، الذي يهمه ما أهمك ، ويسره ما أسرك ، فقليل ، وسئل حكيم عن الصديق ، فقال : (اسم لا معنى له) ، أي : لا وجود له ، والبركة لا تنقطع.
قال القشيري : فى الخبر : يجىء يوم القيامة عبد فيحاسب ، فتستوى حسناته وسيئاته ، ويحتاج إلى حسنة واحدة يرضى عنه خصومه ، فيقول الله سبحانه له : عبدى بقيت لك حسنة ، إن كانت أدخلناك الجنة ، انظر ، وتطلّب من الناس لعلّ أحدا يهبها لك. فيأتى الصفين ، فيطلب من أبيه ، ثم من أمه ، ثم من أصحابه ، فلا يجيبه أحد إلا بقوله : أنا اليوم فقير إلى حسنة واحدة ، فيرجع إلى مكانه ، فيسأله الحقّ ـ سبحانه : ما جئت به؟ فيقول : يا ربّ لم يعطنى أحد حسنة ، فيقول الله تعالى : عبدى .. ألم يكن لك صديق؟ فيتذكر العبد ، ويقول : فلان كان صديقا لى فيك ، فيأتيه ويدله الحق عليه ، فيكلّمه ، فيقول : بل لى عبادات كثيرة ، فإن قبلها الله منى فقد وهبتها لك ، فيسرّ ويجىء إلى موضعه ، فيخبر بذلك ربّه تعالى ، فيقول : قد قبلتها منه ، ولم أنقص من حقّه شيئا ، وقد غفرت لك وله ـ فهذا معناه. ه. ونقل القرطبي عن الحسن قال : ما اجتمع ملأ على ذكر الله ، فيهم عبد من أهل الجنة ، إلا شفّعه الله فيهم ، وإن أهل الإيمان ليشفع بعضهم فى بعض ، وهم عند الله شافعون مشفعون. ه.
ثم قالوا : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي : رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وجواب لو التّمنية : محذوف ، أي : لفعلنا كيت وكيت ؛ إذ «لو» ، فى مثل هذا ، للتمنى ، أي : فليت لنا كرة فنكون من المؤمنين.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : فيما ذكر من الأنباء العجيبة ؛ كقصة إبراهيم مع قومه ، وما ترتب على ذلك من الوعد والوعيد ، (لَآيَةً) عظيمة ، موجبة للزجر عن عبادة الأصنام ، لا سيما لأهل مكة ، الذين يدّعون أنهم على ملة
__________________
(١) من الآية ٦٧ من سورة الأحزاب.