وكان قبل النهى. (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي : لا تهنّى يوم يبعثون. الضمير للعباد ؛ لأنه معلوم ، أو : للضالين ، أي : لا تخزنى فى أبى يوم البعث ، وهذا من جملة الاستغفار لأبيه ، وكان قبل النهى عنه ، أي : لا تهنّى ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) ، أي : لا ينفع فيه مال ، وإن كان مصروفا فى وجوه البر ، ولا بنون ، وإن كانوا صلحاء متأهلين للشفاعة ، (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من الكفر والنفاق ؛ فإنه ينفعه ماله المصروف فى طاعة الله ، ويشفع فيه بنوه ، إن تأهلوا للشفاعة ، بأن أدّبهم ودرّجهم إلى اكتساب الكمالات والفضائل.
وقال ابن المسيب : القلب السليم هو قلب المؤمن ؛ فإن قلب الكافر والمنافق مريض ؛ قال الله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (١). وقال أبو عثمان : هو القلب الخالي من البدعة ، المطمئن على السنة. وقال الحسن بن الفضل : سليم من آفات المال والبنين ، والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد استعمل إبراهيم عليهالسلام الأدب ، الذي هو عمدة الصوفية ، حيث قدّم الثناء قبل الطلب ، وهو مأخوذ من ترتيب فاتحة الكتاب. وقوله تعالى : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) : قال القشيري : أي : على نفسى أولا ، فإن من لا حكم له على نفسه لا حكم له على غيره ، (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ؛ بالقيام بحقك ، دون الرجوع إلى طلب الاستقلال لنفسى دون حقك. ه.
ومما اصطلحت عليه الصوفية أن الصالحين : من صلحت ظواهرهم ، وتطهرت قلوبهم من الأمراض. وفوقهم الأولياء ، وهم من كشف عنهم الحجاب ، وأفضوا إلى الشهود والعيان ، وفوقهم درجة النبوة والرسالة ، فقول الخليل (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ، وكذلك قال الصدّيق ، هو تنزل وتواضع ؛ ليعرف جلالة قدر الصالحين ، فما بالك بمن فوقهم! فهو كقول نبينا صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ أحينى مسكينا ، وأمتنى مسكينا ، واحشرني فى زمرة المساكين» (٢). أي : اجعل المساكين هم قرابتى ، المحدقون بي فى المحشر ، فقد عرّف صلىاللهعليهوسلم بفضيلة المساكين ، وعظّم جاههم ، بطلبه أن يكونوا فى كفالته ، لا أنه فى كفالتهم ، وكذلك الخليل والصدّيق ، عرّفا بفضيلة الصالحين من أهل الإسلام ، لأ أنهما طلبا اللحوق بهم.
وقوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ؛ كل من أخلص وجهه لله ، وتخلصت سريرته مما سوى الله ، وكان إبراهيميا حنيفيا ، جعل الله له لسان صدق فيمن يأتى بعده ، وحسن الثناء عليه فى حياته وبعد مماته ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحبّه ، فيحبّه جبريل ، ثم ينادى جبريل
__________________
(١) من الآية ١٠ من سورة البقرة.
(٢) أخرجه الترمذي فى (الزهد ، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم ، ٤ / ٤٩٩ ، ح ٢٣٥٢) ، والبيهقي فى الكبرى (٧ / ١٢) من حديث أنس بن مالك ، وأخرجه ابن ماجة فى (الزهد ، باب مجالسة الفقراء ، ٢ / ١٣٨١ ـ ١٣٨٢ ، ح ٤١٢٦) والحاكم فى المستدرك (٤ / ٣٢٢) ، وصححه ، ووافقه الذهبي ، من حديث أبى سعيد الخدري.