قلت : (وقوم) : منصوب بمضمر يدل عليه (دمرناهم) ، أي : ودمرنا قوم نوح ، و (عادا وثمودا) : عطف على (قوم نوح).
يقول الحق جل جلاله : (وَ) دمرنا أيضا (قَوْمَ نُوحٍ) ، وذلك أنهم (لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) ؛ نوحا ، ومن قبله شيثا وإدريس ، أو : لأن تكذيبهم لواحد تكذيب للجميع ؛ لاتّفاقهم على التوحيد والإسلام ، (أَغْرَقْناهُمْ) بالطوفان ، (وَجَعَلْناهُمْ) أي : وجعلنا إغراقهم أو قصتهم (لِلنَّاسِ آيَةً) : عبرة يعتبر بها كل من يشاهدها أو يسمعها. (وَأَعْتَدْنا) ؛ هيأنا (لِلظَّالِمِينَ) أي : لهم. وأظهر فى موضع الإضمار ؛ للإيذان بتجاوزهم الحد فى الظلم ، أو لكل ظالم ظلم شرك ، فيدخل كل من شاركهم ، كقريش وغيرهم ، أي : هيأنا (عَذاباً أَلِيماً) ، أي : النار المؤبدة عليهم.
(وَ) دمرنا أيضا (عاداً وَثَمُودَ) ، وقد تقدم فى الأعراف (١) ، وهو كيفية تدميرهم. (وَأَصْحابَ الرَّسِ) ، هم قوم شعيب ؛ قال ابن عباس : أصحاب الرسّ : أصحاب البئر. قال وهب : كانوا أهل بئر ، قعودا عليها ، وأصحاب مواشى ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم شعيبا ، فآذوه ، وتمادوا فى طغيانهم ، فبينما هم حول البئر ـ والبئر فى وسط منازلهم ـ انهارت بهم وبديارهم ، فهلكوا جميعا. وقال قتادة : الرسّ : قرية بفلح اليمامة ، قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله. وقيل : هم بقية قوم هود وقوم صالح ، وهم أصحاب البئر ، التي قال : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (٢).
وقال سعيد بن جبير وغيره : قوم كان لهم نبى ، يقال له : حنظلة بن صفوان ، وكان بأرضهم جبل ، يقال له : فتخ ، مصعده فى السماء ميل ، وكانت العنقاء تنتابه ، وهى كأعظم ما يكون من الطير ، وفيها من كل لون ـ وسموها العنقاء ؛ لطول عنقها ـ وكانت تنقض على الطير فتأكلها ، فجاعت ذات يوم ، فانقضت على صبى فذهبت به ، ـ وسميت عنقاء مغرب ؛ لأنها تغرّب ما تأكله عن أهله ، فتأكله ـ ثم انقضت على جارية قد ترعرعت ، فأخذتها فطارت بها ، فشكوا إلى نبيهم ، فقال : اللهم خذها واقطع نسلها ، فأصابتها صاعقة ، فاحترقت ، فلم ير لها أثر ، فصارت مثلا عند العرب. ثم إنهم قتلوا نبيهم فأهلكهم الله. وقال مقاتل والسدى : هم أصحاب بئر أنطاكية ، وتسمى الرس ، قتلوا فيها حبيبا النجار ، فنسبوا إليها ، وهم الذين ذكروا فى (يس). وقيل : هم أصحاب الأخدود الذين حفروه ، والرسّ فى كلام العرب : كل محفور ؛ مثل البئر ، والقبر ، والمعدن ، وغير ذلك ، وجمعها : رساس. وقال عكرمة : هم قوم رسّوا نبيهم فى بئر.
__________________
(١) راجع تفسير الآيات : ٦٥ ـ ٧٨ من سورة الأعراف.
(٢) من الآية ٤٥ من سورة الحج.