وقال الورتجبي :
الجهال يرون الأشياء بأبصار الظواهر ، وقلوبهم محجوبة عن رؤية حقائق الأشياء ،
التي هى تلمع منها أنوار الذات والصفات ، وأعماهم الله بغشاوة الغفلة وغطاء
الشهوة. ه.
ثم أمر نبيه
بالجواب عن استعجالهم العذاب ، فقال :
(قُلْ يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ
سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١))
يقول
الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : أنذركم إنذارا مبينا بما أوحى إلىّ من أخبار الأمم
المهلكة ، من غير أن يكون لى دخل فى الإتيان بما توعدونه من العذاب الذي تستعجلونه
.. وإنما لم يقل : نذير وبشير ، مع ذكر الفريقين بعده ؛ لأن الحديث مسوق إلى
المشركين فقط. والمراد بالناس : الذين قيل فيهم : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا
فِي الْأَرْضِ) ، ووصفوا بالاستعجال ، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم ؛ زيادة
فى غيظهم. (فَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم ، (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي : حسن ، وهى الجنة. والكريم من كل نعيم : ما يجمع
فضائله ويحوز كمالاته.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا) ، يقال : سعى فى أمر فلان : إذا أفسده بسعيه ، أي : أفسدوا
(فِي آياتِنا) أي : القرآن ؛ بسعيهم فى إبطاله ، (مُعاجِزِينَ) أي : مسابقين. وقرأ المكي والبصري : «معجّزين». بالشد ، أي
: مثبّطين الناس عن الإيمان. يقال : عاجزه : سابقه ؛ لأنّ كل واحد منهما يطلب عجز
الآخر ، واللحوق به ، فإذا غلبه ، قيل : أعجزه وعجزه. والمعنى : سعوا فى معناها
بالفساد ؛ من الطعن فيها ، حيث سمّوها سحرا وشعرا وأساطير الأولين ، مسابقين فى
زعمهم وتقديرهم ، طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم. (أُولئِكَ أَصْحابُ
الْجَحِيمِ) أي : ملازموا النار الموقودة. وقيل : هو اسم دركة من دركاتها.
الإشارة
: الدعاة إلى الله
تعالى إنما شأنهم التحذير والتبشير ، ثم ينظرون ما يفعل الله فى ملكه وخلقه ، من
هداية أو إضلال ، وليس من شأنهم طلب ظهور المعجزات ، أو الكرامات ، ولا الحرص على
هداية الخلق بالكد والاجتهاد ، إنما شأنهم التذكير ، ويردون الأمر إلى الملك
القدير ، فلا يتأسفون على من تخلف عنهم.
وكان عليه الصلاة
والسلام ـ يحرص على هداية قومه ، فلما نهاه الحق تعالى عن ذلك ، رجع وتأدب بكمال
العبودية ، وبه اقتدى خلفاؤه من بعده ، فكان صلىاللهعليهوسلم فى أول أمره يتمنى أن ينزل عليه ما يقارب بينه وبين قومه ،
لعلهم يتدبرون فيما ينزل عليه فيسلموا ، فقرأ يوما سورة النّجم ، فألقى فى مسامعهم
ما يدل على مدح آلهتهم ، فحزن