تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من التوحيد والإيمان ، (مُرِيبٍ) : موقع فى الريبة ، أو : ذى ريبة ، وهو : قلق النفس بحيث لا تطمئن إلى شىء.
فأجابتهم الرسل عن دعواهم الشك فى الربوبية ، (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) : أفى وجوده شك ، أو فى ألوهيته ، أو فى وحدانيته شك؟ قال البيضاوي : أدخلت همزة الإنكار على الظرف ؛ لأن الكلام فى المشكوك فيه ، لا فى الشك ، أي : إنما ندعوكم إلى الله ، وهو لا يحتمل الشك ؛ لكثرة الأدلة ، وظهور دلالتها عليه. ه. وأشار إلى ذلك بقوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خالقهما ومبدعهما على هذا الشكل الغريب ، والإتقان العجيب ؛ إذ لا يصدر إلا من إله عظيم القدرة ، باهر الحكمة ، واحد فى ملكه ؛ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١) ، وهو (يَدْعُوكُمْ) إلى الإيمان والتوحيد ، ببعثه إيانا ، والتصديق بنا ، (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) إن آمنتم ، أي : يغفر لكم بعض ذنوبكم ، وهو ما تقدم قبل الإسلام ، ويبقى ما يذنب بعده فى المشيئة ، أو : ما بينكم وبينه دون المظالم.
والجمهور : أنه يغفر للكافر ما سلف مطلقا ، وقيل : (مِنْ) : زائدة ، على غير مذهب سيبويه. قال البيضاوي : وجيئ بمن ، فى خطاب الكفرة ، دون المؤمنين فى جميع القرآن ؛ تفرقة بين الخطابين ، ولعل المعنى فيه أن المغفرة ، حيث جاءت فى خطاب الكفار ، مرتبة على الإيمان ، وحيث جاءت فى خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة ، والتجنب عن المعاصي ، ونحو ذلك ؛ فيتناول الخروج عن المظالم. ه. (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : إلى وقت سماه الله ، وجعله آخر أعماركم. وقال الزمخشري تبعا للمعتزلة : يؤخركم إن آمنتم إلى آجالكم ، وإن لم تؤمنوا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت ، وهذا على قولهم بالأجلين. وأهل السنة يأبون هذا ؛ فإن الأجل عندهم واحد محتوم ، والله تعالى أعلم.
الإشارة : التفكر والاعتبار أفضل عبادة الأبرار ، وفى الحديث : «تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة». فيتفكر العبد فيما سلف قبله من القرون الماضية والأمم الخالية ، كيف رحلوا عن ديارهم المشيدة ، وفروشهم الممهدة ، واستبدلوها بضيق القبور ، وافتراش التراب تحت الجنوب ، وجاءهم الموت وهم غافلون ، وتجرعوا كأسها وهم كارهون ، فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا ، ولا إلى مافاتهم رجعوا ، قدموا على ما قدّموا ، وندموا على ما خلفوا ، ولم ينفع الندم وقد جف القلم. فيوجب هذا التفكر الانحياش إلى الله ، والمسارعة إلى طاعة الله ، والزهد فى هده الدار الفانية ، والتأهب للسفر إلى الدار الباقية ؛ فيفوز فوزا عظيما. وفى تكذيب الصادقين تسلية للعارفين ، وللمتوجهين من المريدين ، إذا قوبلوا بالإيذاء والتكذيب ، وبالله التوفيق.
__________________
(١) من الآية ٢٢ من سورة الأنبياء.