ما كان ، فيدخل فيه العجل دخولا أولياء. وهذا ختم كلام موسى عليهالسلام ، بتقرير أمر التوحيد ، كما كان افتتاح الوحى إليه به بقوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا). والله تعالى أعلم.
الإشارة : انظر أثر حافر فرس جبريل : كيف حييت به الأشباح ، فكيف لا تحيا بتقبيل أثر وطء العارفين بالله ، أو بتقبيل أقدامهم ، بل كان من خضع لهم وقبّل أقدامهم حييت روحه ، وشعشعت أنواره ، وتحقق عرفانه ، كما هو معلوم ؛ لأن الخضوع لأولياء الله إنما هو خضوع لله ؛ لأنهم يدلون على الله ، ويبعدون عن كل ما سواه. وانظر السامري ؛ حين خضع لغير الله بمجرد هواه كيف طرد وأبعد ، حتى صار مثلا فى الناس. فقالت الصوفية : ينبغى للفقير أن يفر من أبناء جنسه ، ويكون كالسامرى ، إذا رأى أحدا قال : لا مساس ، وأنشدوا :
وخف أبناء جنسك ، واخش منهم |
|
كما تخشى الضراغم والسّنبتا |
وخالطهم ، وزايلهم ؛ حذارا |
|
وكن كالسامرى إذا لمست |
والسنبتاء : كل حيوان جرىء ، وقيل : اسم للنمر
ويقال ، لمن ركن إلى شىء دون الله تعالى ؛ من علم ، أو عمل ، أو حال ، أو مقام ، أو فنى فى مخلوق : (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا). وفى بعض الأثر : يقول الله : «يا عبدى ، لا تركن لشىء دونى ، فإن ركنت إلى علم جهّلناك فيه ، وإن ركنت إلى عمل رددناه عليك ، وإن ركنت إلى حال وقفناك معه ، وإن ركنت إلى معرفة نكرناها عليك. فأى حيلة لك أيها العبد ، فكن لنا عبدا أكن لك ربا». أو كما قال. وإليه الإشارة بقوله : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ ...) الآية.
ثم ذكّر نبيه صلىاللهعليهوسلم بنعمة اطلاعه على هذه القصص البديعة ، فقال :
(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ ...)
قلت : محل الكاف : نصب على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : نقص عليك قصا مثل ذلك القص المارّ. وما فى الإشارة من معنى البعد ؛ للإيذان بعلو درجته ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبعد منزلته فى الفضل. و (مِنْ أَنْباءِ) : فى محل النصب ، إما على أنه مفعول (نَقُصُّ) ؛ باعتبار معناه ، أي : نقص عليك بعض أنباء ، وإما على أنه متعلق بمحذوف ؛ صفة للمفعول ، أي : نقص عليك خبرا كائنا من أخبار ما قد سبق.
يقول الحق جل جلاله : (كَذلِكَ) أي : مثل ذلك القصص البديع الذي سمعته (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) أي : من أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية ؛ ليكون تبصرة لك ، وزيادة فى علمك ، وتذكيرا لغيرك ، وعبرة لمن يقف عليه ممن يأتى بعدك. والله تعالى أعلم.