أي : ذلا وهوانا ؛ لأنهم تعززوا بمخلوق بسخط الخالق ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «من طلب رضا المخلوق بمعصية الخالق عاد حامده من الناس ذاما» (١). وتكون عونا عليهم ، وآلة لعذابهم ، حيث تجعل وقود النار وحصب جهنم ، أو تكون الكفرة ضدا وأعداء للآلهة ، كافرين بها ، بعد أن كانوا يحبونها كحب الله ، ويعبدونها من دون الله ، وتوحيد الضد ؛ لتوحيد المعنى الذي عليه تدور مضادتهم ، فإنهم بذلك كشىء واحد ، كقوله عليه الصلاة والسلام : «وهم يد على من سواهم» (٢).
وسبب عبادتهم للأصنام تزيين الشيطان ، وفاء بقوله : (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٣) كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) أي : سلطهم عليهم ومكنهم من إغوائهم ، بقوله تعالى : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) (٤) الآية.
وهذا تعجيب لرسوله صلىاللهعليهوسلم مما نطقت به الآيات الكريمة عن هؤلاء الكفرة ، العتاة المردة ، من فنون القبائح من الأقاويل والأفاعيل ، والتمادي فى الغى ، والانهماك فى الضلال ، والتصميم على الكفر ، من غير صارف يلويهم ، ولا عاطف يثنيهم ، وإجماعهم على مدافعة الحق بعد اتضاحه ، وتنبيه على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم ، لا أن له مسوغا فى الجملة ، أي : ألم تر ما فعلت الشياطين بالكفرة حتى صدر منهم ما صدر من تلك القبائح والعظائم ، وليس المراد تعجيبه عليهالسلام من مطلق إرسال الشياطين عليهم ، كما يوهمه تقليل الرؤية ، بل عما صدر عنهم من حيث إنها من آثار إغواء الشياطين ، كما ينبئ عنه قوله تعالى : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) أي : تغريهم وتهيجهم على المعاصي تهييجا شديدا ، بأنواع الوساوس والتسويلات. فالأز والاستفزاز أخوان ، معناهما : شدة الانزعاج ، وجملة (تَؤُزُّهُمْ) : حال مقدرة من الشياطين ، أو استئناف وقع جوابا عن صدر الكلام ، كأنه قيل : ماذا تفعل بهم الشياطين؟ قال : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا).
(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) بأن يهلكوا حسبما تقتضى جناياتهم ويبيدوا عن آخرهم ، وتطهر الأرض من فسادهم ، (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) أي : لا تستعجل بهلاكهم ، فإنه لم يبق لهم إلا أيام وأنفاس قلائل نعدها عدا ، ثم نأخذهم أخذا. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) أخرجه البزار (كشف الأستار ٤ / ٢١٨) من حديث السيدة عائشة. وقال الهيثمي فى المجمع : (١٠ / ٢٢٨) : رواه البزار من طريق قطبة بن العلاء عن أبيه ، وكلاهما ضعيف. وورد معنى الحديث عند الترمذي ، ولفظه : «من التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ، وأسخط الناس عليه».
(٢) طرف من حديث أخرجه أحمد فى المسند (١ / ١٢٢) وأبو داود فى : (الديات ، باب إيقاد المسلم بالكافر) ، والنسائي فى (القسامة ، باب القود بين الأحرار والعبيد) من حديث سيدنا على.
(٣) من الآية ٣٩ من سورة الحجر.
(٤) من الآية ٦٤ من سورة الإسراء ٤٣.