قلت
: «ويزيد» : عطف على
«فليمدد» ؛ لأنه فى معنى الخبر ، أي : من كان فى الضلالة يمده الله فيها ، ويزيد
فى هداية الذين اهتدوا مددا لهدايتهم ، أو عطف على «فسيعلمون» ، وجمع الضمير فى (رأوا)
وما بعدها ؛ باعتبار معنى (من) ، وأفرد أولا باعتبار لفظها.
يقول
الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد : (مَنْ كانَ) مستقرا (فِي الضَّلالَةِ) مغمورا فى الجهل والغفلة عن عواقب الأمور ، مشتغلا بالحظوظ
الفانية ، (فَلْيَمْدُدْ لَهُ
الرَّحْمنُ مَدًّا) أي : يمد له بطول العمر وتيسير الحظوظ ، إما استدراجا ،
كما نطق به قوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) ، أو قطعا للمعاذير كما نطق به قوله تعالى : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ
فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) ، أو : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ) : يدعه فى ضلاله ، ويمهله فى كفره وطغيانه ، كقوله تعالى :
(وَنَذَرُهُمْ فِي
طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . والتعرض لعنوان الرحمانية ؛ لبيان أن أفعالهم من مقتضيات
الرحمة مع استحقاقهم تعجيل الهلاك.
وكأنه جل جلاله
لما بيّن عاقبة الأمم المهلكة ، مع ما كان لهم من التمتع بفنون الحظوظ العاجلة ، أمر
رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يجيب هؤلاء المفتخرين بما لهم من الحظوظ بمآل أمر
الفريقين ، وهو استدراج أهل الضلالة ثم أخذهم ، وزيادة هداية أهل الإيمان ثم
إكرامهم ، كما بيّن ذلك بقوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا
ما يُوعَدُونَ) ، فهو غاية للحد الممتد ، أي : نمد لهم فى الحياة وفنون
الحظوظ حتى ينزل بهم ما يوعدون ؛ (إِمَّا الْعَذابَ) الدنيوي بالقتل ، والأسر ، وغلبة أهل الإيمان عليهم ، (وَإِمَّا السَّاعَةَ) ، وهو يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والهوان ، و «إما»
هنا : لمنع الخلو ، لا لمنع الجمع ؛ فإن العذاب الأخروى لا ينفك عنهم بحال.
(فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ (مَنْ هُوَ شَرٌّ
مَكاناً) من الفريقين ، بأن يشاهدوا الأمر على عكس ما كانوا يقدّرون
، فيعلمون أنهم شر مكانا ، لا خير مقاما ، (وَ) يعلمون أنهم (أَضْعَفُ جُنْداً) أي : جماعة وأنصارا ، لا أحسن نديّا ، كما كانوا يدعونه ،
وليس المراد أن لهم يوم القيامة جندا سيضعف ، وما كان له من فئة ينصرونه من دون
الله ، وإنما ذكر ذلك ردا لما كانوا يزعمون أن لهم أعوانا وأنصارا ، يفتخرون بهم
فى الأندية والمحافل ، فردّ ذلك بأنه باطل وظل آفل ، ليس تحته طائل.
ثم ذكر فريق أهل
الإيمان فقال : (وَيَزِيدُ اللهُ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) أي : كما يمد لأهل الضلالة ؛ زيادة فى ضلالهم ، كذلك يزاد
فى هداية أهل الهداية ؛ ثوابا على طاعتهم ؛ لأن كلا يجزى بوصفه ، فلا تزال الهداية
تنمو فى
__________________