وذلك إذا قصد أن يقتدى به ، وكان مخلصا فى عمله. وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اتقوا الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر؟ قال : الرياء» (١).
وقال صلىاللهعليهوسلم ـ لما نزلت هذه الآية ـ : «إن أخوف ما أخاف على أمتى الشرك الخفي ، وإياكم وشرك السرائر ، فإنّ الشرك أخفى فى أمتى من دبيب النمل على الصفا فى الليلة الظلماء» ، فشق ذلك على القوم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا أدلكم على ما يذهب الله عنكم صغير الشرك وكبيره؟ قالوا : بلى ، قال : قولوا : «اللهم إنى أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك من كل ما لا أعلم».
وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من قرأ آخر سورة الكهف ـ يعنى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...) إلى آخره ـ كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ، ومن قرأها كلّها كانت له نورا من الأرض إلى السّماء» (٢). وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ عند مضجعه : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...) إلخ ، كان له من مضجعه نورا يتلألأ إلى مكّة ، حشو ذلك النّور ملائكة يصلّون حتّى يقوم ، وإن كان بمكة كان له نورا إلى البيت المعمور». قلت : ومما جرّب أن من قرأ هذه الآية ؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...) إلخ ، ونوى أن يقوم فى أي ساعة شاء ، فإن الله تعالى يوقظه بقدرته. وانظر الثعلبي.
الإشارة : إن الذين آمنوا إيمان الخصوص ، وعملوا عمل الخصوص ـ وهو العمل الذي يقرب إلى الحضرة ـ كانت لهم جنة المعارف نزلا ، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ؛ لأنّ من تمكن من المعرفة لا يعزل عنها ، بفضل الله وكرمه ، كما قال القائل :
مذ تجمّعت ما خشيت افتراقا |
|
فأنا اليوم واصل مجموع |
ثم يترقون فى معاريج التوحيد ، وأسرار التفريد ، أبدا سرمدا ، لا نهاية ؛ لأن ترقيتهم بكلمة القدرة الأزلية ، وهى كلمة التكوين ، التي لا تنفد ؛ (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ...) الآية. هذا مع كون وصف البشرية لا يزول عنهم ، فلا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية. قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ وحي إلهام ، ويلقى فى روعى أنما إلهكم إله واحد ، لا ثانى له فى ذاته ولا فى أفعاله ، فمن كان يرجو لقاء ربه فى الدنيا لقاء الشهود والعيان ، ولقاء الوصول إلى صريح العرفان ؛ فليعمل عملا صالحا ، الذي لا حظ فيه للنفس ؛ عاجلا ولا آجلا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، فلا يقصد بعبادته إلا تعظيم الربوبية ، والقيام بوظائف العبودية ، والله تعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (٣).
__________________
(١) أخرجه أحمد فى المسند (٥ / ٤٢٨) ، والبغوي فى شرح السنة (١٤ / ٣٢٤).
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٣ / ٤٣٩) ، وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (باب ما يستحب أن يقرأ فى اليوم والليلة) من حديث معاذ. قال الحافظ ابن حجر : وفى إسناده ابن لهيعة.
(٣) فى آخر نسخة د. حسن عباس : انتهى الجزء الثاني من تفسير القرآن المجيد ، للعلامة الأديب ، فريد عصره ، ووحيد دهره ، سيدى أحمد بن عجيبة الشريف ، غفر الله له ، ولكاتبه ، وللمسلمين أجمعين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .. أمين.