ثم قال تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) وهى : شجرة الزقوم ، أي : ما جعلناها إلا فتنة للناس. وذلك أن قريشا لما سمعوا أن فى جهنم شجرة الزقوم ، سخروا من ذلك ، فافتتنوا بها ، حيث أنكروها ، وكفروا بالقرآن ، وقالوا : كيف تكون شجرة فى النار ، والنار تحرق الشجر؟! وقفوا مع الإلف والعادة ، ولم ينفذوا إلى عموم تعلق القدرة. ومن قدر على حفظ وبر السّمندل (١) منها ، وهو يمشى فيها ، قدر على أن يخلق فى النار شجرة ، ولم تحرقها. وقال أبو جهل : ما أعرف الزقوم إلا التمر بالزبد. فإن قيل : أين لعنت شجرة الزقوم فى القرآن؟ فالجواب : أن المراد لعنة آكلها ، وقيل : إن اللعنة هنا بمعنى الإبعاد ، وهى فى أصل الجحيم.
قال تعالى : (وَنُخَوِّفُهُمْ) بأنواع التخويف ، أو بالزقوم ، (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) ؛ عتوا مجاوزا للحد.
الإشارة : الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته. فإذا انمحت الأكوان ثبتت وحدة المكون. «كان الله ولا شىء معه ، وهو الآن على ما كان عليه» ، من قامت به الأشياء ، وهو وجودها ونور ذاتها ، ومحيط بها ، كيف تحصره ، أو تحيزه ، أو تحول بينه وبين موجوداته؟ قيل لسيدنا على ـ كرم الله وجهه ـ : يا ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أين كان ربنا قبل خلق الأشياء؟ فتغير وجهه ، وسكت ، ثم قال : قولكم : أين؟ يقتضى المكان ، وكان الله ولا زمان ولا مكان ، وهو الآن على ما عليه كان. ه.
وقال الشيخ الشاذلى : (قيل لى : يا على ؛ بي قل ، وعلى دل ، وأنا الكل). وفى الحديث : «لا تسبّوا الدهر ، فإنّ الله هو الدّهر ، بيده الليل والنّهار» ، ولا يفهم هذا على التحقيق إلا أهل الذوق ، بصحبة أهل الذوق. وإلا فسلّم تسلم ، واعتقد التنزيه وبطلان التشبيه. وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم بيّن عداوة إبليس المتقدمة فى قوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) ، فقال :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤))
__________________
(١) السّمندل : طائر ، إذا انقطع نسله ، وهرم ، ألقى نفسه فى الجمر ، فيعود إلى شبابه. وقيل : هو دابة ، يدخل النار فلا تحرقه .. انظر اللسان (سمندل ٣ / ٢١٠٥).