بالطاعة ، يطلبها أيهم أقرب ، أي : الذي هو أقرب ، فكيف بغير الأقرب؟ (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) كسائر العباد ، فكيف يزعمون أنهم آلهة؟ (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) ؛ مخوفا ، أي : حقيقا بأن يحذره كل أحد ، حتى الرسل والملائكة. أعاذنا الله من جميعه. آمين.
الإشارة : كل ما دخل عالم التكوين لزمته القهرية والعبودية ، فهو عاجز عن إصلاح نفسه ، فكيف يصلح غيره؟ ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، فكيف يدفع عن غيره؟ فارفع همتك ، أيها العبد ، إلى مولاك ، وأنزل حوائجك كلها به دون أحد سواه ، فكل ما سواه مفتقر إليه ، والفقير المضطر لا ينفع نفسه ، فكيف ينفع غيره؟ والله يتولى هداك.
ثم بيّن قهريته تعالى ، فقال :
(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨))
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي : أهلها ، (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) ؛ بالموت والاستئصال ، (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) ؛ بالقتل وغيره ، (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ) ؛ فى اللوح المحفوظ (مَسْطُوراً) ؛ مكتوبا. وقال فى المستخرج : وإن من قرية إلا نحن مهلكوها ؛ الصالحة بالإفناء ، والطالحة بالبلاء ، أو معذبوها بالسيف ؛ إذا ظهر فيهم الزنى والربا. ه. قال ابن جزى : روى أن هلاك مكة بالحبشة ، والمدينة بالجوع ، والكوفة بالترك ، والأندلس بالخيل. ثم قال : وأما هلاك قرطبة وأشبيلية وطليطلة وغيرها ، فبأخذ الروم لها. ه. قلت : قد استولى العدو على الأندلس كلها فهو خرابها. أعاد الله عمارتها بالإسلام. آمين.
وقال فى حسن المحاضرة : وأخرج الحاكم فى المستدرك عن كعب قال : الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ـ والجزيرة أرض بالبصرة ، وموضع باليمامة ، لا جزيرة الأندلس ـ ثم قال : ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة : والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر ، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر. قال : وأخرج الديلمي فى مسند الفردوس ، وأورده القرطبي فى التذكرة من حديث حذيفة مرفوعا : يبدو الخراب فى أطراف الأرض ، حتى تخرب مصر ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة ، وخراب البصرة من العراق ، وخراب مصر من جفاف النيل ، وخراب مكة من الحبشة ، وخراب المدينة من الجوع ، وخراب اليمن من الجراد ، وخراب الأبلة من الحصار ، وخراب فارس من الصعاليك ، وخراب الترك من الديلم ، وخراب الديلم من الأرمن ، وخراب الأرمن من الخرز ، وخراب