كان خاليا فهو هواء حتى يشغله الشيء.
ومثله قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) [الكهف : ٢١] يريد أطلعنا عليهم. وأصل هذا أنّ من عثر بشيء وهو غافل نظر إليه حتى يعرفه. فاستعير العثار مكان التّبيّن والظهور. ومنه يقول الناس : ما عثرت على فلان بسوء قطّ. أي ما ظهرت على ذلك منه.
ومنه قوله عزوجل : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] أراد الخيل ، فسمّاها الخير لما فيها من المنافع.
قال الرّاجز بعد أن عدّد فضائلها وأسباب الانتفاع بها ـ (١) :
فالخيل والخيرات في قرنين
وقال طفيل (٢) :
وللخيل أيّام فمن يصطبر لها |
|
ويعرف لها أيّامها الخير تعقب |
ومنه قوله عزوجل (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الانعام : ١٢٢]. اى كان كافرا فهديناه وجعلنا له ايمانا يهتدى به سبل الخير والنّجاة (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) [الأنعام : ١٢٢] أي في الكفر. فاستعار الموت مكان الكفر ، والحياة مكان الهداية ، والنّور مكان الإيمان.
ومنه قوله عزوجل : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)) [الشرح : ٢] أي إثمك. وأصل الوزر : ما حمله الإنسان على ظهره. قال الله عزوجل : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) [طه : ٨٧] أي أحمالا من حليّهم. فشبه الإثم بالحمل ، فجعل مكانه ، وقال في موضع آخر : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] يريد آثامهم.
ومن ذلك قوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) [البقرة : ٢٣٥] أي نكاحا ، لأن النكاح يكون سرا ولا يظهر ، فاستعير له السرّ.
قال رؤبة (٣) :
فعفّ عن أسرارها بعد العسق
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في كتاب المعاني ١ / ٨٥ ، ١٧٦ ، وفي المعاني : «في قرينين» بدل : «في قرنين» ، وفي الخزانة ٣ / ٦٤٣ : «كالقرينين» بدل : «في قرنين».
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان طفيل الغنوي ص ٣٥ ، والإنصاف ص ٦٢١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٤ ، وكتاب الصناعتين ص ٢٧٧ ، والمعاني الكبير ١ / ٨٥.
(٣) الرجز في ديوان رؤبة ص ٢٠٤ ، وتهذيب اللغة ١٢ / ٢٨٤ ، ولسان العرب (فرك) وفيه : «الغسق»