وقوما يسربلون هذا ، ويلبسون هذا تارة ، وهذا تارة.
وأما قولهم : (كيف يكون في النار نبت وشجر ، والنار تأكلهما؟) فإنه لم يرد فيما يرى أهل النظر ـ والله أعلم ـ أن الضريع بعينه ينبت في النار ، ولا أنهم يأكلونه. والضريع من أقوات الأنعام لا من أقوات الناس ، وإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع وهلكت هزلا.
قال الهذليّ يذكر إبلا وسوء مرعاها (١) :
وحبسن في هزم الضريع فكلّها |
|
حدباء دامية اليدين حرود |
فأراد أن هؤلاء قوم يقتاتون ما لا يشبعهم ، وضرب الضريع لهم مثلا. أو يعذّبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع.
وكان ما أراد الله بهذا معلوما عندهم مفهوما ، ولو لم يكن كذلك لأنكروه كما أنكروا قوله : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥)) [الصافات : ٦٤ ، ٦٥] وقالوا : كيف تكون في النار شجرة والنار تأكل الشجر؟ فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) [الإسراء : ٦٠] ، يعني بالرؤيا : ما رآه ليلة أسري به وأخبر عنه ، فارتد لذلك قوم ، وزاد الله في بصائر قوم. وأراد بالشجرة الملعونة : شجرة الزّقّوم. فهذا وجه.
وقد يكون الضريع وشجرة الزّقّوم : نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النار. وكذلك سلاسل النار وأغلالها ، وأنكالها وعقاربها وحيّاتها ـ لو كانت على ما نعلم ، لم تبق على النار ، وإنما دلّنا الله سبحانه على الغائب عنده بالحاضر عندنا ، فالأسماء متفقة للدلالة ، والمعاني مختلفة.
وما في الجنة من شجرها وثمرها وفرشها ، وجميع آلاتها ـ على مثل ذلك.
قال ابن عباس : نخل الجنة ، جذوعها من زمرّد أخضر ، وكربها من ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطّعاتهم وحللهم وتمرها أمثال القلال والدّلاء ، أشدّ
__________________
(١) يروى عجز البيت بلفظ :
حدباء بادية الضلوع حرود
والبيت من الكامل ، وهو لقيس بن عيزارة الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٥٩٨ ، ولسان العرب (ضرع) ، (هزم) وأساس البلاغة (حرد) ، وتاج العروس (ضرع) ، (هزم) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٣ / ٣٩٦ ، وديوان الأدب ١ / ٤١٤ ، والمخصص ١٠ / ٢٠١.