ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية ، كان يقرأ به أبو جعفر المدني (١) ، وهو قوله : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤] أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين (٢) :
ولو ولدت فقيرة جرو كلب |
|
لسبّ بذلك الجرو الكلابا |
ومن ذلك : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون : ١٠] أكثر القرّاء يقرؤون فأصدق أكن بغير واو. واعتلّ بعض النحويين في ذلك بأنها محمولة على موضع فأصّدّق ، لو لم يكن فيه الفاء ، وموضعه جزم ، وأنشد (٣) :
فأبلوني بليّتكم لعلّي |
|
أصالحكم وأستدرج نويّا |
فجزم وأستدرج ، وحمله على موضع أصالحكم لو لم يكن قبلها : لعلّي كأنه قال :
فأبلوني بليتكم أصالحكم وأستدرج.
وكان أبو عمرو بن العلاء (٤) يقرأ : فأصدق وأكون بالنصب ، ويذهب إلى أن الكاتب أسقط الواو ، كما تسقط حروف المد واللين في (كلمون) وأشباه ذلك.
وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها ، أو أن تكون غلطا من الكاتب ، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
فإن كانت على مذاهب النحويين فليس هاهنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ في الكتاب ، فليس على رسوله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، جناية الكاتب في الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن ، لرجع عليه كل خطأ وقع في كتابة المصحف من طريق التّهجّي :
__________________
(١) أبو جعفر المدني : هو يزيد بن القعقاع الإمام ، عرض القرآن على مولاه أبي جعفر المخزومي المدني أحد العشرة ، تابعي مشهور القدر ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة. توفي سنة ١٣٠ ه (غاية النهاية ٢ / ٣٨٢ ، الإعلام ٩ / ٢٤١ ، الإصابة ٢ / ٣٤٩).
(٢) البيت من الطويل ، وهو لجرير في خزانة الأدب ١ / ٣٣٧ ، والدرر ٢ / ٢٩٢ ، وليس في ديوانه ، وهو بلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٩٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٧٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٢ ، ويروى : «ولو ولدت قفيرة» ، بدل : «ولو ولدت فقيرة».
(٣) البيت من الوافر ، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٣٥٠ ، والخصائص ١ / ١٧٦ ، ٢ / ٣٤١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٠١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٩ ، وللهذلي في مغني اللبيب ٢ / ٤٧٧ ، وبلا نسبة في لسان العرب (علل).
(٤) أبو عمرو بن العلاء : تقدمت ترجمته.