وعز يقول : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) [التوبة : ٧٤] ، وقال : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [الفتح : ٢٦] ، وقال : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)) [الصافات : ١٧١ ، ١٧٣].
وقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الحج : ١١] ، أراد سبحانه وتعالى : من الناس من يعبد الله على الخير يصيبه من تثمير المال ، وعافية البدن ، وإعطاء السّؤل ، فهو مطمئن ما دام ذلك له. وإن امتحنه الله تعالى باللّأواء في عيشه ، والضّراء في بدنه وماله ، كفر به.
فهذا عبد الله على وجه واحد ، ومعنى متحد ، ومذهب واحد ، وهو معنى الحرف. ولو عبد الله على الشكر للنعمة ، والصبر للمصيبة ، والرّضا بالقضاء ـ لم يكن عبده على حرف.
وقد تدبّرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه :
أولها : الاختلاف في إعراب الكلمة ، أو في حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغيّر معناها نحو قوله تعالى : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨] وأطهر لكم (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ : ١٧] وهل يجازى إلّا الكفور ، (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) [النساء : ٣٧] وبالبخل ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] وميسرة.
والوجه الثاني : أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغيّر معناها ، ولا يزيلها عن صورتها في الكتاب ، نحو قوله تعالى : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سبأ : ١٩] وربّنا باعد بين أسفارنا ، و (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) [النور : ١٥] وتلقونه ، (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] وبعد أمة.
والوجه الثالث : أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها ، بما يغيّر معناها ولا يزيل صورتها ، نحو قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) [البقرة : ٢٥٩] وننشرها ، ونحو قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) [سبأ : ٢٣] وفرّغ.
والوجه الرابع : أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغيّر صورتها في الكتاب ، ولا يغيّر معناها ، نحو قوله : «إن كانت إلّا زقية» و (صَيْحَةً) [يس : ٢٩] و «كالصّوف المنفوش» و (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥)) [القارعة : ٥].
والوجه الخامس أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله : «وطلع منضود» في موضع (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)) [الواقعة : ٢٩].