فقال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢)) [ص : ١] ، وحكى قولهم : (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) [ص : ٦] ، أي اذهبوا ودعوه وتمسّكوا بآلهتكم فقال الله عزوجل : أعندهم بآلهتهم هذه خزائن الرحمة؟! (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠)) [ص : ١٠] ، أي في أبواب السماء ، وأبواب السماء : أسبابها ، قال الشاعر (١) :
ولو نال أسباب السّماء بسلّم
ويكون أيضا (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) ، أي : في الحبال إلى السماء ، كما سألوك أن ترقى في السماء وتأتيهم بكتاب. ويقال للرجل إذا تقدم في العلم وغيره وبرع : قد ارتقى في الأسباب ، كما يقال : قد بلغ السماء.
ونحو هذا قوله في موضع آخر : (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)) [الطور : ٣٨].
وهذا كله توبيخ ، وتقرير بالعجز.
ثم قال بعد : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١)) [ص : ١١].
وجند بمعنى : حزب لهذه الآلهة. و (ما) زائدة. ومهزوم : مقموع ذليل. وأصل الهزم : الكسر ، ومنه قيل للنّفرة في الأرض : هزمة ، أي كسرة ، وهزمت الجيش : أي كسرتهم ، وتهزّمت القربة : أي انكسرت.
يقول : هم حزب عند ذلك مقموع ذليل من الأحزاب ، أي عند هذه المحن ، وعند هذا القول ، لأنهم لا يقدرون أن يدّعوا لآلهتهم شيئا من هذا ، ولا لأنفسهم.
والأحزاب : سائر من تقدّمهم من الكفار ، سمّوا أحزابا لأنهم تحزّبوا على أنبيائهم.
يقول الله سبحانه على إثر هذا الكلام : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) [ص : ١٢] وكذا وكذا.
ثم قال : (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) [ص : ١٣] فأعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب.
__________________
(١) يروى البيت بتمامه :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
وإن رام أسباب السماء بسلّم |
والبيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٠ ، والخصائص ٣ / ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٨٦ ، ولسان العرب (سبب) ، وشرح القصائد العشر ص ١٢٠.