الناس يخافون لضرره أن يقصر.
وكان الأعرج يتوقّى ذلك ، لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسّح في مجلسه ، ويأخذ أكثر من موضعه ، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه.
وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض : من رائحة تتغيّر ، أو جرح يبضّ ، أو أنف يذنّ ، أو بول يسلس ، وأشباه ذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى : ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس ، وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح.
وأما عائشة رضي الله عنها ، فإنها قالت : كان المسلمون يوعبون (١) مع رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، في المغازي (٢) ، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضّمنى ، وهم الزّمنى ، ويقولون لهم : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقّون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية.
وإلى هذا يذهب قوم ، منهم الزّهري (٣).
ثم قال الله عزوجل : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أراد : ولا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم.
وقال بعضهم : أراد : أن تأكلوا من بيوت أولادكم ، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء ، لأن الأولاد كسبهم ، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا : أن الناس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم ، وأن الله سبحانه عدّد القرابات وهم أبعد نسبا من الولد ، ولم يذكر الولد.
وقال المفسرون في قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢)) [المسد : ١ ، ٢]. أراد : ما أغنى عنه ماله وولده ، فجعل الولد كسبا.
ثم قال : (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) يريد إخوتكم (أَوْ بُيُوتِ
__________________
(١) يقال : أوعب القوم : إذا خرجوا كلهم إلى الغزو.
(٢) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٥ / ٢٠٦ ، بلفظ : وفي حديث عائشة : كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم. أي يخرجون بأجمعهم في الغزو.
(٣) الزهري : هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني ، أحد الأئمة الكبار ، وعالم الحجاز والأمصار ، تابعي ، وردت عنه الرواية في حروف القرآن. قرأ على أنس بن مالك ، وعرض عليه نافع ، توفي سنة ١٢٤ ه صنف «كتاب المغازي». (كشف الظنون ٦ / ٧ ، غاية النهاية ٢ / ٢٦٢ ، ٢٦٣).