كتاب أنزل إليك (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) [الأعراف : ٢] ، و (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)) [يس : ١ ، ٢].
و (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١)) [ص : ١] ، و (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)) [ق : ١] ، كله أقسام.
وإن كان حروفا مأخوذة من صفات الله ، فهذا فنّ من اختصار العرب ، وقلّما تفعل العرب شيئا في الكلام المتصل الكثير إلا فعلت مثله في الحرف الواحد المنقطع.
فكما يستعيرون الكلمة فيضعونها مكان الكلمة لتقارب ما بينهما ، أو لأنّ إحداهما سبب للأخرى ، فيقولون للمطر : سماء ، لأنه من السماء ينزل ويقولون للنبات : ندى ، لأنه بالندى ينبت ، ويقولون : ما به طرق ، أي ما به قوّة ، وأصل الطّرق : الشحم ، فيستعيرونه مكان القوّة ، لأنّ القوّة تكون عنه.
كذلك يستعيرون الحرف في الكلمة مكان الحرف فيقولون : «مدهته» بمعنى : (مدحته) ، لأن (الحاء) و (الهاء) يخرجان جميعا من مخرج واحد.
ويقولون للقبر : جدث وجدف ، ويقولون : ثوم وفوم ومغاثير ومغافير لقرب مخرج (الفاء) من (التاء).
ويقولون : هرقت الماء وأرقته ، ولصق ولسق ، وسحقت الزعفران وسهكته ، وغمار الناس وخمارهم.
في أشباه لهذا كثيرة يبدلون فيها الحرف من الحرف ، لتقارب ما بينهما.
وكما يقلبون الكلام ويقدّمون ما سبيله أن يؤخّر ، ويؤخرون ما سبيله أن يقدّم ، فيقولون (١) :
كان الزناء فريضة الرجم
أي كان الرجم فريضة الزّنى.
__________________
(١) يروى البيت بتمامه :
كانت فريضة ما تقول كما |
|
أنّ الزناء فريضة الرجم |
والبيت من الكامل ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٣٥ ، ولسان العرب (زنى) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٢١٦ ، والإنصاف ١ / ٣٧٣ ، والأضداد للسجستاني ص ١٥٢ ، وتفسير البحر المحيط ٦ / ٣٣ ، ومجمع البيان ١ / ١٥٥.