بأرعن مثل الطّود تحسب أنهم |
|
وقوف لحاج والرّكاب تهملج |
وفي قوله جلّ ذكره : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [البقرة : ١٧٩] يريد أن سافك الدّم إذا أقيد منه ارتدع من كان يهمّ بالقتل ، فكان في القصاص له حياة وهو قتل.
وأخذه الشاعر فقال (١) :
أبلغ أبا مالك عنّي مغلغلة |
|
وفي العتاب حياة بين أقوام |
يريد أنهم إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب فكفّوا عن القتل ، فكان في ذلك حياة.
وأخذه المتمثّلون فقالوا : «بعض القتل إحياء للجميع» (٢).
وقالوا : «القتل أقلّ للقتل» (٣).
وتبيّن قوله في وصف خمر أهل الجنة : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩)) [الواقعة : ١٩] كيف نفى عنها بهذين اللفظين جميع عيوب الخمر ، وجمع بقوله : (ولا ينزفون) عدم العقل ، وذهاب المال ، ونفاد الشراب.
وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣)) [يونس : ٤٢ ، ٤٣] كيف دلّ على فضل السّمع على البصر ، حين جعل مع الصمم فقدان العقل ، ولم يجعل مع العمى إلا فقدان النظر.
وقوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) [النساء : ١٤٥ ، ١٤٦] فدلّ على أن المنافقين شرّ من كفر به ، وأولاهم بمقته ، وأبعدهم من الإنابة إليه ، لأنه شرط عليهم في التوبة : الإصلاح والاعتصام ، ولم يشرط ذلك على غيرهم.
ثم شرط الإخلاص ، لأن النّفاق ذنب القلب ، والإخلاص توبة القلب.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لهمام الرقاشي في مقاييس اللغة ٤ / ٣٧٧ ، والبيان والتبيين ٢ / ٣١٦ ، ٣ / ٢٠٢ ، ٤ / ٨٥ ، والخزانة ٣ / ٣٤٥ ، ولعصام بن عبيد الزماني في تاج العروس (غلل) ، ولأبي القمقام الأسدي في عيون الأخبار ١ / ٩١ ، ولهشام الرقاشي في العقد الفريد ١ / ٨٠ ، وبلا نسبة في لسان العرب (غلل).
(٢) انظر البيان والتبيين ٢ / ٣١٦ ، وفيه بلفظ : وقال بعض الحكماء : قتل البعض إحياء للجميع.
(٣) انظر كتاب الصناعتين ، وفيه بلفظ : القتل أنفى للقتل.