وكذا. وأكثر ما يقول السلطان والحاكم بعد وجوب الحكم : خذ بيده واسفع بيده.
ونحوه قول الله : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق : ١٥ ، ١٦] أي لنأخذنّ بها ، ثم لنقيمنّه ولنذّلنّه إما في الدنيا وإما في الآخرة ، كما قال تعالى : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) [الرحمن : ٤١] أي يجرّون إلى النار بنواصيهم وأرجلهم. ثم قال : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦)) [العلق : ١٦] وإنما يعني صاحبها. والناس يقولون : هو مشؤوم الناصية. لا يريدونها دون غيرها من البدن. ويقولون : قد مرّ على رأسي كذا. أي مر عليّ.
فكأنه تعالى قال : لو كذب علينا في شيء مما يلقيه إليكم عنّا ، لأمرنا بالأخذ بيده ، ثمّ عاقبناه بقطع الوتين.
وإلى هذا المعنى ذهب الحسن فقال في قوله تعالى : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)) [الحاقة : ٤٥] أي بالميامن ، ثم عاقبناه بقطع الوتين ، وهو : عرق يتعلق به القلب ، إذا انقطع مات صاحبه.
ولم يرد أنا نقطعه بعينه ، فيما يرى أهل النظر ، ولكنّه أراد : ولو كذّب علينا لأمتناه أو قتلناه ، فكان كمن قطع وتينه.
ومثله قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما زالت أكلة خيبر تعادّني ، فهذا أوان قطعت أبهري» (١).
والأبهر : عرق يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه. فكأنّه قال : فهذا أوان قتلني السّمّ ، فكنت كمن انقطع أبهره.
ومنه قوله سبحانه : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)) [القلم : ١٦] ذهب بعض المفسّرين فيه : إلى أنّ الله عزوجل يسم وجهه يوم القيامة بالسّواد.
وللعرب في مثل هذا اللفظ مذهب نخبر به ، والله أعلم بما أراد.
تقول العرب للرجل يسبّ الرجل سبّة قبيحة ، أو ينثو عليه فاحشة : وقد وسمه بميسم سوء. يريدون : ألصق به عارا لا يفارقه ، كما أنّ السّمة لا تنمحي ولا يعفو أثرها.
وقال جرير (٢) :
__________________
(١) أخرجه بنحوه البخاري في المغازي باب ٨٣ ، والدارمي في المقدمة باب ١١ ، وأحمد في المسند ٦ / ١٨ ، والقاضي عياض في الشفا ١ / ٦٠٩ ، والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين ٣٣ ، والقرطبي في تفسيره ٥ / ١٦٣ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٢١٨٩ ، والذهبي في ميزان الاعتدال ٦٢٦٣ ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٣ / ١٢٣٩.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان جرير ص ٤٤٣.