من الغرق ، ولذلك عقّبه بقوله : (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
يريد التسليم والإنقياد لما كان يدعوه إليه موسى من إطلاق بني إسرائيل ورفع اليد عن رقابهم ، فمحصّل مراده التسليم لدعوة موسى والرجوع عن التمادي في الإستكبار والإستعلاء ، والإيمان على حد إيمان بني إسرائيل ، ليجري مجرى الواحد منهم ، ولذلك قال : (إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ)، ولم يقل إلّا الله.
ومن هاهنا يظهر أنّ هذا القول لم يكن منه توبة إلى الله سبحانه بالحقيقة من وجهين :
أحدهما : إنّه قال ما قال عند إدراك الغرق ورؤية البأس ، ولا توبة حينئذ ، لأنّه ليس رجوعا إلى الله ـ سبحانه ـ بحسن اختياره ، بل إرجاع أرجعه إليه البأس ، ودفعه إليه الخوف وهول ما شاهده ، وأين الإرجاع من الرجوع؟
والثاني : إنّ كلامه يعطي أنّه أراد به المساواة مع بني إسرائيل والورود في صفّهم للنجاة ، ولم يرد به الإيمان بالله أهلكه أو أنجاه ، فهو تمايل منه ورجوع إلى موسى دون الله ـ سبحانه ـ ، وهو ـ سبحانه ـ وإن سمّى نفسه قابل التوب ، ولم يقيدّه بشيء غير شمول هذا الإسم يحتاج :
أوّلا : إلى وجود التوبة.
وثانيا : إلى كون التوبة إليه تعالى لا إلى غيره ، وشيء من الأمرين لم يتحقق في المورد.
وفي العيون ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا ـ عليهالسلام ـ : لأيّ علّة أغرق الله [عزوجل] فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟ قال : «لأنّه آمن عند رؤية البأس ، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول ، وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا