هذا تحدّ منه ـ عليهالسلام ـ بالتوكّل ومفاده أنّ الذي يسمّى ربّا إلها يجب أن ينصر من اعتصم به لأنّ الأمر بيده ، فاعتصموا بأربابكم وشركائكم وضمّوا إليه ما عندكم من قوّة ، وأنا أعتصم بالله تعالى بتوكّلي واستعاذتي به من شرّكم ، فإن لم تقدروا على ما يسؤني فاعلموا أنّ الله هو ربّي وربّكم ، وأنّ ما تدعون من دونه الباطل ، ومن الممكن أن يكون هذا هو المراد من قوله ـ سبحانه ـ حكاية عن نوح في سورة هود : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) (١).
قوله : (أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً)
يقال أمر غمة : أي مبهم ملتبس.
قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً)
المراد بهم الرسل الذين كانوا بين نوح وموسى ، سواء كانوا ممّن أهلك قومهم بعذاب فاصل من عند الله تعالى كهود وصالح ولوط وشعيب ، أو لم يهلك قومهم بعذاب فاصل كإدريس وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط ، فهؤلاء لم يهلك أقوامهم الذين بعثهم الله إليهم ، أو لم يخبرنا في كتابه بذلك ، فالجميع مقصودون في هذه الآية ، والشاهد أنّه قصّر بقوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) ، فذكر تماديهم في الكفر واعتدائهم ، ولم يذكر ما صنع بهم من عذاب أو غيره.
ومن هاهنا يظهر أنّ معنى قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢) ، أنّ مجيء الرسول إلى الأمّة هو
__________________
(١). هود (١١) : ٢٨.
(٢). يونس (١٠) : ٤٧.