لذلك لما طلب فرعون الدليل من موسى على صدق رسالته :
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى).
وعرض عليه أقوى الادلة ، وهي معجزة عصاه الرهيبة المفزعة.
ولكن أنى يفتح فرعون قلبه للايات ليدخل اليه نور الايمان ، بل تراكمت على قلبه حجب كثيفة من الغرور والتجبر.
(فَكَذَّبَ وَعَصى ، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى ، فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).
تجد الآيات تتسلسل وتتعاقب بسرعة ، لتصور لنا تلك الحالات المتعاقبة لفرعون الطاغية ، .. فانها اختصرت المراحل .. وطوت الازمنة لتصل بفرعون الى أوج الطغيان وذروة التجبر والاستعلاء ..
وقد تلاحظ هذا التعاقب السريع بين تكذيبه وعصيانه ، ثم ادباره عن الحق وسعيه لاثبات موقفه الباطل ، ورفعه لصوته بهذا الادعاء الفارغ المتغطرس : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).
كم بلغ من الغرور والطغيان والتكبر مرتبة قصوى ..
ولكن الله يأخذه وهو في ذروة جبروته وطغيانه ويسقطه من فوق عرشه في قعر جهنم ، بعدما يغرقه فأخذه الله نكال الآخرة والاولى ..
هو يقدم هنا نكال الآخرة على نكال الدنيا.
ليظل عبرة لكل من يتفرعن ويحمل نفس العقلية والتفكير الفرعوني .. فيكذب بالحق وبآيات الله ويسحق القيم والمقدسات تحت رجله ، ويستعلي على الناس الى درجة ادعاء الالوهية ، وبالتالي ينكر الحشر والمعاد الذي يلاقي فيه جزاء اعماله الفرعونية ، ويعتبر المعاد عملية خالية من النفع والفائدة (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ).
ما الفائدة من اعادة الانسان الى الحياة مرة اخرى ونصب الميزان له .. ومحاسبته على اعماله .. بعدما لاقى الآلام والمصاعب في هذه الحيا ..!