ويفتح الستار على مشهد جديد يختلف ديكوره وأبطاله ، وتختلف فيه الاوتار وأنغام الآيات ..
ومن جهة المعنى تأتي الآيات اللاحقة لتكشف العوامل النفسية للبطنة للتشكيك في القيامة ، واستصعاب عملية الحشر والنشر الى الحياة مرة اخرى ، واعتبارها صفقة خاسرة وعملية عبثية ..
وتلك العوامل النفسية ليست سوى الغرور والغفلة والطغيان ، والتي ترجع بالتالي الى عامل الجهل او التجاهل ، تجاهل النعم الحياتية الموهوبة لهذا الانسان والتي تساعده على الاستمرار والبقاء والعيش على هذه الارض المزودة بكل وسائل الحياة والرفاه ، فينشأ من هذا الجهل او التجاهل الطغيان والتجبر على الله تعالى المهيمن علينا والمصرف لحياتنا والمتصرف في الكون كيف يشاء.
وينشأ الاغترار بالاعراض الزائلة والسلطات والقوة والقدرة ، وكلها مؤقتة وممنوحة لنا عارية ، ولابد أن تسترد منا يوما.
طبعا ، لا تصرح الآيات بهذه العوامل النفسية المعشعشة في باطن الانسان .. وانما تعرضها في ثنايا القصة .. قصة فرعون .. التي تبرز هذه العوامل بشكل فني .. مؤثر.
فمنذ بدايتها تفاجىء الانسان وتجلب انتباهه بشدة ، وكأنها تصفعه بهذا السؤال المفاجىء :
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى؟)!
حديث؟! نعم حديث ، فهي قصة طرية طازجة على الاسماع ، لانها قصة كل انسان ، ولانها لم تسمع بها من قبل في مشهد الحوار عن القيامة ، بل تعودت أن تسمع قصته في فصل النبوة والانبياء ، وليس في فصل الايمان بالمعاد ، فما المناسبة هنا؟
والجواب يأتي هكذا :
(إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى).