هملا ، وإنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه ، وكل العوالم تحفظ وتتعهد برعاية رب العالمين.
والصلة بين الخالق والخلائق صلة دائمة ممتدة في كل وقت وفي كل حالة.
لقد حكى القرآن عن عقائد المشركين ، وصور التّخبّط الذي كان يحيط بالبشرية في الجاهلية. فمنهم من اتّخذ أصناما يعبدها من دون الله ، ومنهم من جعل الالهة المتعددة رموزا للذات الإلهية ، وقالوا كما ورد في التنزيل : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣]. وقال القرآن عن جماعة من أهل الكتاب : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١].
وكانت عقائد الجاهليات السائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام ، تعج بالأرباب المختلفة ، بوصفها أربابا صغارا تقوم إلى جانب كبير الالهة كما يزعمون.
جاء الإسلام وفي العالم ركام من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفات والأوهام والأفكار ، يختلط فيها الحق بالباطل ، والصحيح بالزائف ، والدين بالخرافة ، والفلسفة بالأسطورة. والضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يخبط في ظلمات وظنون لا يستقر منها على يقين.
ومن ثمّ كانت عناية الإسلام الأولى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة ، وتحديد التصوّر الذي يستقرّ عليه الضمير في أمر الله وصفاته ، وعلاقته بالخلائق وعلاقة الخلائق به على وجه القطع واليقين.
وكان من رحمة الله بالعباد إنقاذهم من الحيرة ، وإخراجهم من الضلال إلى الهدى بهذا الدين الحنيف بما فيه من جمال وبساطة ، ووضوح وتناسق وسهولة ويسر ، وتجاوب مع الفطرة.
(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : الرحمن : صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة ، الرحيم : صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.
ونلاحظ أن كلمة الرحمن لم تذكر في القرآن ، إلا وقد أجريت عليها الصفات ، كما هو شأن أسماء الذات.
قال تعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (٢) [الرحمن] ، (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥) [طه]. أما