فإن قيل : إنّ «تلبسوا» و «تكتموا» في قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) [الآية ٤٢] ، ليسا فعلين متغايرين فينهوا عن الجمع بينهما ، بل أحدهما داخل في الاخر؟
قلنا : هما فعلان متغايران ، لأنّ المراد بتلبيسهم الحق بالباطل ، كتابتهم في التوراة ما ليس منها ، وبكتمانهم الحقّ بقولهم لا نجد في التوراة صفة محمد (ص).
فإن قيل : قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) ما فائدة الثاني ، والأوّل يدل عليه ويقتضيه؟
قلنا : قوله تعالى : (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي ملاقو ثواب ربّهم ، ما وعدهم على الصبر والصلاة ، وقوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي موقنون بالبعث ، فصار المعنى أنّهم موقنون بالبعث ، وبحصول الثواب الموعود ، فلا تكرار فيه.
فإن قيل : لم قال تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) [الآية ٥٩] ، وهم لم يبدّلوا غير الذي قيل لهم ، لأنّهم قيل لهم قولوا حطّة فقالوا حنطة؟
قلنا : معناه فبدّل الذين ظلموا قولا قيل لهم ، وقالوا قولا غير الذي قيل لهم؟
فإن قيل : قوله سبحانه : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٣).
العثو : الفساد ، فيصير المعنى ولا تفسدوا في الأرض مفسدين؟
قلنا : معناه ولا تعثوا في الأرض بالكفر ، وأنتم مفسدون بسائر المعاصي.
فإن قيل : لم قال تعالى : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) [الآية ٦١] وطعامهم كان المنّ والسلوى وهما طعامان؟
قلنا : المراد أنّه دائم غير متبدّل ، وإن كان نوعين.
فإن قيل : لم قال جلّ جلاله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الآية ٦١] وقتل النبيين لا يكون إلّا بغير الحق؟
قلنا : معناه بغير الحقّ في اعتقادهم ، ولأنّ التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمّهم وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل ، كما في عكسه ، كقوله تعالى. (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢].
فإن قيل : لم قال تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) وانتقالهم من