قال الزمخشري «في الكشاف ١ : ٣٠٧» :
(لَمْ يَتَسَنَّهْ) : لم يتغيّر ، والهاء أصلية أو هاء السكت ، واشتقاقه من السنة على الوجهين ، لأنّ لامها هاء أو واو ، وذلك أن الشيء يتغيّر بمرور الزمان.
وقيل : أصله «يتسنّن» ، من الحمأ المسنون ، فقلبت نونه حرف علة ، كتقضّي البازي. ويجوز أن يكون معنى (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تمرّ عليه السنون التي مرّت عليه ، يعني هو بحالة كما كان ، كأنه لم يلبث مائة سنة. وفي قراءة عبد الله : (فانظر إلى طعامك ، وهذا شرابك لم يتسنّ) ، وقرأ أبي : (لم يسّنّه) ، بإدغام التاء في السين.
أقول :
إن كلمة «سنة» مثل شفة من الكلم الثنائي ، الذي تحوّل في العربية إلى ثلاثي إفادة من الواو أو الهاء ، وقد ذهب اللغويون القدامى إلى أن الواو أو الهاء أصل ثالث ، ذهب عن الكلمة فردّ إليها في الكلمات التي قامت على الأصل وهو المفرد «سنة» ، فقالوا في الجمع سنوات وسنهات ، كما قالوا شفاه وشفهات وشفوات ، وقالوا في المنسوب : سنويّ وسنهيّ ، كما قالوا : شفويّ وشفهيّ ، وقالوا في الفعل سانه كما قالوا شافه ، والمسانهة معروفة كالمشافهة وكذلك المساناة.
وقد تجاوزت العربية هذا الحدّ في جعل الصوت الثالث في «السنة» واوا ، أو هاء ، فأفادت من التاء علامة التأنيث فيها ، فكانت الصوت الثالث في مادة «سنت» فقالوا :
رجل سنت : قليل الخير ، والجمع سنتون ولا يكسّر.
وأسنتوا فهم مسنتون : أصابتهم سنة وقحط وأجدبوا ، ومنه قول ابن الزّبعرى :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكّة مسنتون عجاف والتاء في «سنت» عند سيبويه على بدل التاء من الياء ، ولا نظير له إلّا قولهم ثنتان ، حكى ذلك أبو علي.
وفي «الصحاح» : أصله من السنة قلبوا الواو تاء ليفرقوا بينه وبين قولهم : أسنى القوم إذا أقاموا سنة في موضع.
وقال الفرّاء : توهّموا أن الهاء أصلية إذ وجدوها ثالثة فقلبوها تاء ، تقول منه أصابتهم السنة ، بالتاء.