من نزولهم وقال : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) أي عذاب الله ، أخشاه على أيدي هؤلاء الذين أراهم ولا ترونهم (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي عذابه قويّ عظيم لا يطاق. وقال قتادة : ذلك عادة عدوّ الله لمن أطاعه ، حتى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم وتبرّأ منهم.
أما ظهور الشيطان لقريش قبيل وقعة بدر ، فقيل إن قريشا لمّا أجمعت على المسير ذكرت ما كان بينها وبين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب ، وكاد ذلك يثنيهم عن المسير. فجاء إبليس في جند له وتبدّى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ، وكان من أشراف كنانة ، فقال لهم : لا غالب لكم اليوم من الناس. فلما رأى الملائكة نزلوا من السماء ، وعلم أنه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه. وقيل إنه لمّا التقوا في الحرب كان لا يزال في صف المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام ، وحين نكص قال له الحارث : يا سراقة أين؟ أتخذ لنا على هذه الحالة؟ فقال له : إني أرى ما لا ترون. فقال الحارث : والله ما نرى إلّا جعاسيس يثرب. فدفع إبليس الحارث في صدره وانهزم ، وسريعا ما انهزم المشركون.
فلما رجعوا إلى مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغه ذلك فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. فقالوا : إنك أتيتنا يوم كذا .. فحلف لهم. فلمّا سمعوا علموا أن ذلك كان الشيطان.
٤٩ ـ (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) يجوز أن يكون العامل في : إذ ، هنا الابتداء ، بتقدير : ذلك إذ يقول ... ويجوز أن يكون التقدير : اذكر إذ. والآية الشريفة تتعلّق بما قبلها. والمنافقون هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان ، والذين في قلوبهم مرض هم المشكّكون في الإسلام رغم نطقهم بكلمة الإيمان. وقيل إنهم فتية من قريش كانوا قد أسلموا بمكة واحتبسهم آباؤهم فيها فلم يهاجروا إلى يثرب ورافقوا أهلهم إلى وقعة بدر. وقد قالوا في بدر حين رأوا قلّة المسلمين