الأول : انه المراد بالأول عذاب الاصطلام والاستئصال كما فعل بالأمم الماضية ، وبالثاني عذاب القتل بالسيف ، والأسر وغير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم.
والثاني : أنه أراد : وما لهم أن لا يعذّبهم الله في الآخرة ، ويريد بالأول عذاب الدنيا ـ عن الجبائي.
والثالث : أن الأول استدعاء للاستغفار ، ويريد أنه لا يعذّبهم بعذاب دنيا ولا آخرة إذا استغفروا وتابوا ، فاذا لم يفعلوا عذّبوا. ثم بيّن أن استحقاقهم العذاب بصدّهم الناس عن المسجد الحرام.
٣٥ ـ (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ...) المكاء : الصغير ، والمكّاء طائر يكون بالحجاز له صفير ، ومكا : يعني صفّر بفيه. أما التصدية : فهي التصفيق وضرب اليد على اليد ، ومنه الصدى أي الصوت الذي يردّه الجبل إذا تكلّمت في الوادي. فصلاة المشركين الذين صدّوا المسلمين عن المسجد الحرام ، كانت صفيرا وتصفيقا يفعلونهما وهم يطوفون حول بيت الله الحرام عراة ، ويجعلونهما بدل التسبيح والدعاء. ففعلهم ضرب من اللهو ، ولذلك كان أحرى بالمسلمين أن يمنعوهم من هذا اللهو الشنيع. وقد قيل إن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان إذا صلّى قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه يصفّران ، ورجلان منهم يصفّقان فيخلطون عليه صلاته وقد قتلهم الله تعالى يوم بدر ، ثم قال سبحانه لهم ولبقية بني عبد الدار : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) عذاب السيف والقتل ، وعذاب الآخرة (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بسبب كفركم بتوحيد الله والإقرار برسالة رسوله (ص).
* * *
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها