معطوفة على ما قبلها. فإن قابيل لمّا قتل أخاه ورآه ميتا وقف متحيّرا لا يدري ما يصنع؟ وماذا يفعل ليخفي هذه الجثة عن والديه وأخواته وعن السباع؟ وكيف يسترها ويواريها عن الأنظار؟ فوقع نظره على طائر ـ هو الغراب ـ (يَبْحَثُ) أي يحفر الأرض (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي) يستر (سَوْأَةَ) أي جثة (أَخِيهِ) الميت. فتأمله وهو يعمل في الحفر بمنقاره وبمخالبه إلى أن أوجد حفرة تتسع لجثة الطائر ، وحمله فوضعه فيها ثم طمره بالتراب وستره عن الأعين. فتعلّم طريقة دفن أخيه وقال : (يا وَيْلَتى) أي له الويل والحزن والتعب (أَعَجَزْتُ) ما قدرت (أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) وأستر جثته وأدفنه كما دفن هذا الغراب أخاه؟ ... ثم دفن أخاه ، وحزن وباء بالخزي وتوبيخ الضمير (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) حين لا ينفع الندم .. وحين عرف آدم عليهالسلام بكى على هابيل أربعين يوما وليلة ، فأوحى الله تعالى إليه : إني واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل. ثم ولدت حواء سلام الله عليها غلاما مباركا زكيا هو شيت عليهالسلام. ولما كان يوم السابع أوحى الله إلى آدم (ع) : إن هذا الغلام هبة مني فسمّه : هبة الله .. وقال طاووس اليماني رحمهالله لأبي جعفر الباقر عليهالسلام : أي يوم مات ثلث الناس؟ فقال عليهالسلام : يا عبد الله لم يمت ثلث الناس قّط ، «إنما مات ربع الناس. قال : وكيف ذلك؟ قال عليهالسلام : كان آدم وحواء وهابيل وقابيل. وقتل قابيل ، فذلك ربع. قال : صدقت. قال أبو جعفر : هل تدري ما صنع بقابيل؟ قال : لا. قال : علّق بالشمس ، ينضح بالماء الحارّ إلى أن تقوم الساعة.
* * *
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ