أو ترك مذهبا وتمسّك بمذهب آخر ، ينازع كثيرا ويسأل عن سبب عدوله ويحاجج ويخاصم ، فيعادي أصحاب الأديان الأخرى ، وخصوصا إذا بحث وجدّ واجتهد في الفحص وتبين خطأ ما كان عليه ، ودخل فيما دخل فيه عن فهم وعلم واقتناع. فينبغي لأهل ذلك الدين أو المذهب أن يتقبّلوه ولا يعيبوه ، وأن يكرموه ويزيدوا في إفهامه الحقائق ويعملوا على ترسيخ عقيدته ، فإن الرجوع عن الخطأ فضيلة والإصرار عليه رذيلة. أما من يعدل كل يوم من دين إلى دين ، ومن طريقة إلى طريقة ، فذاك هو المستهتر المتلاعب الذي يجب طرده ومعاقبته بأقسى العقوبات. فإن أهل السياسة ـ مثلا ـ لا يغفلون عن ذلك ، ولا يقبلون المتقلّب المتردد من مذهب سياسي إلى مذهب آخر ، ومن مبدأ عقائدي إلى مبدأ ، بل لا يستأمنونه على شيء ، ولا يطلعونه على سر ، وإنما يخشون تجسسه ودسائسه لأنهم يعتبرونه من الذين آمنوا بمبدئهم ثم كفروا به ، ثم آمنوا بغيره ثم كفروا بما آمنوا به ، فيعدونه مذبذبا مدلّسا دجالا. فمن كان هذا شأنه بالنسبة إلى الدين الإسلامي ، والعقيدة المحمدية فلا يغفر الله له ذنبا ولا يهديه إلى طريق صواب ، لأنه اختار لنفسه طريق الدجل والمواربة ، وعمي بصره عن الحق فما ثبت عليه ، ولذا لا يتأتى له الرجوع إليه بعد أن فارقه.
١٣٨ ـ (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) : أي أخبرهم. وقد قال الرازي وقرناؤه من المفسرين : إن البشارة بالعذاب تستعمل تهكما بأهله ، كما يقول العرب : تحيّتك الضرب ، وعتابك السيف. لكن قيل أيضا بأن القرآن العظيم يأبى أسلوبه التهكم ، فالأقرب أنها تستعمل في الإخبار ، نعم لا بعد أنها أكثر استعمالا في الأمور السارة والتبشير بالخير ، والله أعلم .. ومهما كان معنى اللفظة فإنها هنا لا تخلو من الاستهزاء ، فليكن معلوما بأن الله تعالى أعد للمنافقين في دينه عذابا موجعا لا تنتهي أيامه ولا تنقضي حسراته ، والمنافقون هم في الآية الكريمة التالية :
١٣٩ ـ (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ ..) لفظة : الذين ، بدل من المنافقين في الشريفة السابقة ، وهذه تتمة لها. فالمنافقون هم الذين مالوا إلى