الذنوب لمن يشاء من المذنبين الذين تقبل أعمالهم. والمقصود بضلال من يشرك بالله ضلالا بعيدا ، هو ذهابه عن طريق الحق ، وضياعه عن الصراط السويّ الذي يؤدي إلى ثواب الله عزّ وعلا بطاعته. فالغرض المطلوب في الآخرة هو نعيم الجنّة الدائم ، ومن لم يصل إلى ذلك النعيم فقد ضل طريق الوصول إليه ، وأبعد الطريق عنه هو طريق الشّرك والعياذ بالله منه. ومن هذه الشريفة ومن روايات الباب ، يستفاد أن الشّرك أبعد أنواع الضلال عنه تعالى.
١١٧ ـ (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ...) كلمة : إن ، نافية. أي : ما يدعون من دون الله تعالى غير إناث ، وهو جمع : أنثى ، ضد الذكر. وقد سمّيت أصنام الجاهلية إناثا لأنهم كانوا ينحتونها ويصنعونها قريبة من صور الإناث ، ويلبسونها أنواع الحلل التي تتزيّن بها النساء ، ويسمّونها ـ غالبا ـ بأسماء نسوانهم وبناتهم ، نحو : اللات ، والعزّى ، ومناة. والشيء قد يسمى أنثى لتأنيث اسمه. أو أن ذلك أطلق عليها لكونها جمادات والجماد لا يعقل ويدعى بالتأنيث حسب قواعد العربية الفصيحة من حيث إنه منفعل غير فاعل. بل لعله تعالى ذكر أوثانهم وأصنامهم بهذا الاسم تنبيها الى أنهم يعبدون ما يسمّونه إناثا لأنه منفعل وغير فاعل ، ومن حقّ المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ، ليكون ذلك دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم. ويحتمل ـ أخيرا ـ أن يراد بالإناث الملائكة فإن من المشركين من يعبد الملائكة ويعتقد أنهم بنات الله ، وقد قال تعالى : (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى). وفي تفسير أبي حمزة الثمالي قال : كان في كل واحدة من تلك الأصنام شيطان أنثى تتراءى للسدنة وتكلّمهم وذلك من صنع إبليس الذي ذكره الله في كتابه ولعنه ... (وَإِنْ يَدْعُونَ) أي : وما يدعون ويسمّون من معبوداتهم (إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) هو إبليس اللعين الذي في جوف تلك الأصنام أو هو أحد جنود الشيطان الذي يتجسد في كل معبود لهم. فمعبودهم شيطان مريد ، أي : خبيث شرّير ، قال الله تعالى فيه :
١١٨ ـ (لَعَنَهُ اللهُ ، وَقالَ ...) أي أخزاه وسبّه وأبعده من الخير ومن رحمته