الفضائل (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أي طلبا لما يرضيه سبحانه وتعالى. وقد نصب لفظ : ابتغاء لأنه مفعول لأجله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) أي نعطيه في الآجل (أَجْراً عَظِيماً) مثوبة عظيمة في كثرتها ومنزلتها وصفتها ، لأنها دائمة ، عظيمة الشأن ، غير مشوبة بما ينغصها من الهم والألم. وفي الآيات الشريفة دلالة على أن فاعل المعصية يضرّ بنفسه ، وأن الذي يدعو الى الضلال هو المضل ، وأن الضّال مضلّ لنفسه بسوء اختياره للضلال وللإضلال. كما أن فيها ذمّا للنجوى إلا في خير ..
١١٥ ـ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ ..) قيل إنها نزلت في صاحب بني الأبيرق فإنه لما نزلت الآيات الكريمة بتقريعه وتقريع قومه من بني الأبيرق ، غضب وارتدّ الى الكفر ولحق بالمشركين في مكة ، وزاول السرقة كعادته فنقب حائطا ليسرق فوقع عليه الحائط فقتله. فمن يشاقق الرسول : أي يخالفه ـ والشقاق هو الخلاف مع العداوة ، وشقّ العصا هو مفارقة الجماعة ـ فمن يخالف محمدا ويظهر له العداوة من بعد ما تبين (لَهُ الْهُدى) أي بعد أن ظهر له الحق وقامت الحجة ، ووضحت البيّنة وصحّت الأدلة على صدق نبوّته ورسالته (وَيَتَّبِعْ) يسلك طريقا (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) غير طريقهم الذي هو الإسلام (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) يعني نكله الى من وكل نفسه اليه وانتصر به من الأوثان واعتمده من دون الله. وقيل : نخلّي بينه وبين ما اختار لنفسه في دار الدنيا (وَنُصْلِهِ) أي نحرقه ونلزمه بدخول نار (جَهَنَّمَ) عقوبة على ما اختار من الضلال بعد الهدى ومن مشاقّة الرسول (وَساءَتْ) جهنم : كانت سوءا و (مَصِيراً) مآلا صار اليه في نهاية المطاف لا يغادره الى أبد الأبد.
وقد استدلوا بهذه الشريفة على أن إجماع الأمة حجة ، لأنه توعّد على مخالفة سبيل المؤمنين كما توعّد على مشاقّة الرسول. وهذا وهم ، والصحيح أن إجماع الأمة ليس حجة ، لأن ظاهر الآية يقتضي إيجاب متابعة من هو مؤمن على الحقيقة ظاهرا وباطنا ، لأن من أظهر الإيمان لا يوصف بأنه مؤمن إلّا مجازا ، فكيف يحمل ذلك على إيجاب متابعة من أظهر الإيمان ،