النار تشوي وجوههم وأجسادهم بلهبها المحرق ، ولكنهم لن يموتوا فيها بل (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) أي احترقت وتهرّأت (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) نخلفها مكانها وتعود لما كانت عليه لتعاود الاحتراق والنضج في النار (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليتطعّموا صعوبة العذاب من جديد بتجديد جلودهم ، لأن جلودهم إذا احترقت لا تعود تحسّ مسّ العذاب فيجدّها سبحانه لهم لمزيد تذوّق العذاب ومقاساة شدته (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) أي هو تعالى مقتدر عزيز الجانب لا تنفعه إطاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه ، وأعماله على موازين الحكمة.
٥٧ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ..) ذكرهم عزّ وعلا ليظهر الفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، فقال مستأنفا الكلام : والمصدّقون بالله وبما جاء به رسول الله ، والعاملون بما أمر والمنتهون عما نهى عنه (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مرّ شرحها وبيان ما أعده الله تعالى فيها من نعيم لعباده الصالحين الذين يظلّون (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) يعيشون ويتقلّبون في ملذّاتها الى أبد الأبد (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) لهم نساء مطهّرات من كل دنس وقذارة من البول أو الغائط أو الدم (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) أي نجعلهم ظل رحمتنا الظلّيل ، الذي هو مشتق من الظل للتأكيد كليل أليل.
* * *
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨))
٥٨ ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ ..) لا يخفى أن هذا الأمر يشمل كل أمانة لكل مكلّف ، حتى الأمانات التي ائتمنها الله تعالى من