٤٤ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ...) ألا تنظر يا محمد الى هؤلاء الكفرة برسالتك من اليهود الذين أعطوا حظاّ قليلا من علم التوراة؟ فقد قيل أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كانوا يعرفون شيئا ولكنهم (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) أي يستبدلون الكفر بالإيمان بعد حصوله لهم بالمعجزات الدالّة على صدق محمد (ص) وأنه مبشر به في توراتهم على ما هو واضح عند أحبارهم ورهبانهم (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) ويحبون أن تكونوا في صفّهم مع الكفار وأن تتيهوا عن طريق الحق وتضيعوا عنه مثلما ضاعوا.
٤٥ ـ (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ ...) أي : هو سبحانه أعرف بهم منكم ، ولذا عرّفكم بهم ، وأخبركم بعداوتهم وكذبهم فاحذروهم لأنهم لا يريدون بكم خيرا ، فلا تتولّوهم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) لأموركم يرشدكم فيها جميعا الى ما هو خير ، ويجنّبكم مزالق الكفر والضلال (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) أي أنه يغنيكم عن كل أحد دونه ، فاكتفوا به عن غيره وهو ينصركم عليهم. وقد زيدت الباء في أول لفظ الجلالة للتأكيد ، أي كفى به وحده عزوجل.
٤٦ ـ (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ...) أي إن اليهود المصرّين على العناد والكفر يحرّفون ما جاء في التوراة ، ويصرفونه عن وجهه الصحيح ، ويميلونه عن موضعه للإضلال والتضليل. فقد بدّلوا بعض صفات النبيّ (ص) الواردة عندهم إذ وضعوا محل : أسمر ، أدم جمع إدام ، وعبثوا بما في أيديهم من علاماته وكان ديدنهم التحريف والتبديل (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا) كفرا وعنادا وإصرارا على ما هم عليه ، ثم يقولون بوقاحة العدوّ المناصب لله ورسوله : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي اصغ لكلامنا غير مسموع منك قولك ، ولا مجاب لك فيما دعوتنا اليه. وليس هذا بغريب عليهم من عناصر الشر عنهم مصادر الفساد في الأرض ، بل قالوا له (ص) : (وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) فقد قال المفسّرون : إن اليهود قالوا للنبيّ (ص) راعنا ، وهم لا يريدون المعنى الظاهر من هذه الكلمة ، أي ما كانوا يطلبون مراقبتهم والإصغاء إليهم ، وإنما أرادوا بها