الباهرة والحجج القاطعة. ومن ذلك خلق العوالم الامكانية ، ودلائل الحكمة ، وقوانين أنظمة الكائنات البالغة الدقة مع دوام انتظامها منذ كانت بنفس النسق وذات الكيفية المقررة المستمرة من الأزل الى الأبد. فقد شهد الله ، وأعلن لعباده بذلك (وَالْمَلائِكَةُ) أيضا شهدوا به ، وهم الطائفة الروحانية من مخلوقات الله عزوجل (وَأُولُوا الْعِلْمِ) شهدوا به ، وهم ذوو العلم والعرفان من البشر الذين نور الله تعالى قلوبهم بنور الايمان الراسخ ، ولم يعمهم الجهل عن النظر الى عجيب صنعه وبديع نظامه الدائم الذي لم يتطرق اليه الخلل ، فأقاموا من ذلك برهانا على ألوهيته ووحدانيته ، وحجة قيمة يرشدون بها الجاهل ويحكمون بها المعاند .. فالله تعالى ، وملائكته ، وأولو العلم من خلقه ، شهدوا بكونه إلها واحدا (قائِماً بِالْقِسْطِ) أي مقيما للعدل. وقد نصب قائما على كونه حالا من لفظة الجلالة : الله. وفي العياشي عن الباقر عليهالسلام : أن أولي العلم الأنبياء والأوصياء ، وهم قوّام بالقسط والقسط هو العدل ... (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا رب ولا معبود سواه. ولو سئل ما وجه تكرار قوله تعالى : لا إله إلا هو؟ .. لأجيب بأن القول الأول هو قول الله ، والثاني هو حكاية قول الملائكة وتاليه. وقد قال الامام الصادق عليهالسلام : الأول وصف ، والثاني تعليم. أي قولوا بكذا ، وهو كذلك (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي لا مغالب له في الإلهية والوحدانية ، والذي يعمل في ما يعمل بمقتضى الحكمة والمصلحة.
١٩ ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ..) أي الدين المرضي عنده جلّ وعلا هو دين الإسلام. وهو بعد معرفة الصانع عبارة عن التوحيد والتمسك بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله الكرام ، وهو دين الفطرة ، بمعنى أنه إذا ألقي على من وصل الى أول حدّ من حدود التكليف ، فإنه يقبله بطبعه وفطرته البشرية السليمة ، بل يستقبله بلا تكلّف ولا عناء نفسي.
وجملة : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ، جملة مستأنفة مؤكدة لجملة ما قبلها. والنتيجة منها أن قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، توحيد. وقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ)