(وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) .. أي يسألك أهل الإنفاق عن موارد الإنفاق ، من نفقة الجهاد ، الى الصدقات ، فنفقة العائلة. وقيل إن السائل كان ابن الجموح (قُلِ الْعَفْوَ) أي ما يفضل عن النفقة عفوا وبلا عسر على صاحبه في إعطائه. أو أن المراد ما هو خيار ماله وأطيبه بناء على أن السؤال عما ينفق. وأمّا إذا كان السؤال عن قدر ما ينفق فالجواب هو الوسط بين الإقتار والإسراف ، أو ما سهل إنفاقه ولم يكن فيه كلفة على المنفق (كَذلِكَ) أي مثل ما بيّن أمر الخمر والميسر والنّفقة (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعني يوضح لكم الحجج في سائر الأحكام وشرائع الإسلام (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) لكي تتدبروا وتتأملوا في أموركم ، وتدركوا أنّ الدنيا دار بلاء وعناء وفناء ، وأنّ الآخرة دار جزاء وثواب وبقاء. فلا بدّ من الزّهد في الدار الفانية والرّغبة في الدار الآخرة.
٢٢٠ ـ (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.) وقد ذكرنا عنهما ما يناسب المقام. والآية الكريمة متصلة بسابقتها وكأنها تمام لها (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) وأحكامهم. قال ابن عباس : لما نزلت : ولا تقربوا مال اليتيم .. ونزلت : وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما .. انطلق كلّ من كان عنده يتيم فعزل طعامه عن طعامه وشرابه من شرابه ، فاشتد ذلك عليهم ، فسألوا عنه ، فنزلت : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) أي إصلاح أموالهم بلا أجر ومداخلتهم ومعاشرتهم أحسن من إبعادهم ومجانبتهم (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) أي إن تشاركوهم الحياة بجميع مظاهرها خير لهم وخير لكم وثواب. لأنهم إخوانكم في الدين ، ومن حقّ الأخ على أخيه حسن المعاشرة وجميل المخالطة. وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام ، والعياشي عن الباقر عليهالسلام ، قالا : تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ، ثم تنفقه. (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) ولا يخفى عليه أن معاملتكم للأيتام ومعاشرتكم لهم ، والمحافظة على أموالهم تكون لحراستها وحفظها أو لإفسادها وإتلافها ، فهو يعلم في كلا الحالين ، والإنسان على نفسه بصيرة ، فكيف به جلّ وعلا وهو