نواهيه ، فينالوا مقام الصالحين الأبرار (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فلمّا منّ الله سبحانه برفع الحظر عن المؤمنين بالنسبة لمباشرة النساء ، أراد أن يتم النعمة عليهم بامتداد رخصه في تمام الليل فقال : وكلوا واشربوا حتى يظهر ويتميّز لكم الفجر على التحقيق. والخيط الأبيض يعني هنا بياض النهار وتميّزه من الخيط الأسود أي سواد الليل ، بحيث لا يشك فيه أحد من النّظّار. والتعبير بالخيط جاء للاحتراز عن توهّم اشتراط انتشار ضوء النهار ، فإن القدر المحرّم للإفطار من البياض يشبه الخيط الأبيض الممتدّ على الأفق في أول ظهور الفجر ، فيزول بظهوره قهرا مثله من السواد. ومن هذا يستفاد أنه لا يعتبر الانتشار للدلالة على الفجر. وقوله : من الفجر ، يعني البياض الواضح الذي يبدو صباحا. وقيل هو البياض المعترض في الأفق الذي لا شك فيه. وهذه التعابير كلّها ترجع إلى أمر واحد وهو وضوح الفجر الصادق لكل ناظر إلى الأفق. وهذا هو معنى التبيّن. وحرف «من» الجارّ فيه يحتمل أن يكون للتبعيض ، أي أن الخيط الأبيض الذي يبدو منه ، وهو بعض الفجر لا الفجر كلّه حين انتشاره في الأفق بتمامه. ويمكن أن يكون للتبيين ، أي أن الخيط الأبيض هو الفجر لا كما توهّمه عديّ بن حاتم حين قال للنبيّ صلىاللهعليهوآله : إني وضعت خيطين من شعر : أبيض وأسود ، فكنت أنظر فيهما فلا يتبيّن لي. فضحك رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى بدت نواجذه ثم قال : يا ابن حاتم ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل ، فابتداء الصوم من هذا الوقت. واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله من الفجر ، وعن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه. وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام عن رجلين قاما في رمضان فقال أحدهما : هذا الفجر ، وقال الآخر : ما أرى شيئا. قال عليهالسلام : ليأكل الذي لم يستيقن الفجر ، وقد حرم الأكل على الذي زعم أنه رأى الفجر ، لأن الله تعالى يقول : كلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم .. الآية (ثُمَّ أَتِمُّوا