عليه عشرين يوما كفّارة للتحويل فصارت أيام صيامهم خمسين وبعض آخر يقول إن الصوم هو كفّ النفس عن أكل اللحوم مدة ، وبعضهم يخصّه بلحم السمك ، وغيره بالكفّ عن أكل بيض الدجاج ، وغيره ترك ذلك من نصف الليل إلى نصف النهار. والحاصل أن هذا الاختلاف بين الأحبار ناشئ عن تشريع الصوم من عند أنفسهم وقد تركوا الصوم المشروع من لدن الشارع الأقدس. أما نحن ، فبعد نزول الآية وتعيين شهر رمضان ، قد استرحنا وأخذ بالتشريع من يوم نزول الآية إلى يوم ينفخ في الصّور.
أمّا وجه أنه سبحانه أوجب الصوم أولا فأجمله بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ، ولم يبيّن أنه يوم أو يومان أو أكثر. ثم بيّن أنها أيام معلومات وأبهم ، ثم بيّنه بقوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ). فيمكن أن يقال فيه : إن الصوم تكليف شاقّ على غالب الناس ، وهو أشدّ كلفة من الصلاة التي قال تعالى في وصفها : وإنّها لكبيرة إلّا على الخاشعين ، حيث أن الصوم مانع عن المشتهيات ، وقامع للشهوات وهو رياضة جسمانية ونفسانية ، ولا يقبله الناس حتى يهيئهم له تدريجا ، وأحسن طرق تهيئتهم هي هذه الكيفية التي استطرقها الله سبحانه. ويدل على التوجيه المذكور أنه تعالى قبل تعيين وقت الصوم وقبل استقراره استثنى جماعة المرضى والمسافرين من الحكم حتى يسهّل على الناس صعوبة الحكم ، لأنه إذا كان واجبا في الموردين كان أصعب فلا يتحمّلونه. وأدلّ على ما ذكرنا من الدليل الأول ، جعل التخيير في بدء التشريع أي تشريع الصوم الذي يطيقونه بين الصوم والإفطار بلا عذر مع الفدية لكل يوم نصف صاع عند أهل العراق ، وأما عندنا فمدّان إن كان قادرا وإلّا فمدّ واحد لكل يوم. وقد كان التخيير لأنهم لم يتعوّدوا الصوم وكان شاقّا عليهم نشرع له التخيير لتسهيل الأمر ولتعويدهم عليه .. ولمّا تعوّدوا نسخ التخيير بآية : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ... (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) مرضا يضرّ به الصوم ، أو أنه لا يطاق معه الصوم إلّا بالمشقّة الشديدة والعسر المرتفع بقوله : (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ أَوْ عَلى سَفَرٍ) عطف على قوله : مريضا والمعطوف عليه اسم ،