مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧))
١٨٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ... أي فرضه الله عليكم وألزمكم عليه بحيث لو تركتموه عمدا في غير موارد الإجازة والرّخصة تعاقبكم عليه وآخذكم به. فالله تعالى قد فرض على الذين آمنوا من الناس بالله ورسوله فريضة أخرى «غير الصلاة» وهي الصوم. وقد عدل عن الغيبة إلى الخطاب لأن في المخاطبة لذة يذهب بها خطب التكليف وكلفته. وقد روي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : لذّة ما في النداء ، أزال تعب العبادة والعناء. ونقل عن أبي الفتوح أنه قال : لو نادى سيد عبده باسم شخص حر ، فهو في مذهب الفقهاء حر. فالله تعالى نادانا باسم مخصوص لنا ، فنرجو أن تكون علامة عتقنا من نار غضبه .. وإنما خصّ المؤمنين بالخطاب تشريفا لهم ، وترغيبا للغير بقبولهم الإسلام ، وهو لا ينافي وجوبه على غيرهم كما أنه كذلك .. وأما وجه قوله : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، ففيه أقوال ، أحسنها على ما هو الظاهر من الكريمة تشبيه فرض الصّوم علينا بفرض الصّوم على من تقدّمنا من الأنبياء عليهمالسلام وأممهم من عهد آدم عليهالسلام إلى عهدنا. وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : أوّلهم آدم. يعني أن الصوم عبادة قديمة ما أخلى الله أمّة من إيجّابها عليهم. فالله تعالى لم يوجبها عليكم وحدكم ، وفي ذلك ترغيب بالفعل وتسهيل على النفس المنزجرة عنه بطبعها. فإن الشيء إذا عمّ طاب. وهذا هو وجه تنظير الصوم بصوم الأمم الماضية. وفي المقام سؤال يقدّر ، وهو أنه لماذا قال سبحانه : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، مع عدم الحاجة إلى هذا التنظير ، فإن وجوب الصوم علينا لا يتوقّف على وجوبه على