مملوك لمالك والده ، وولد الحر حرّ بالتبعية له ، والوالد لا يملك من ولده إلا بعض فوائده الحاصلة منه في موارد قليلة. فالسماوات والأرض ومن فيهن (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) مطيعون متواضعون أذلّاء أمام عظمته ، تكوينا وتشريعا بالإضافة إلى ذوي العقول من المتشرّعة الذين يوجبون شكر المنعم.
١١٧ ـ (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... أي منشئهنّ لا من شيء (وَإِذا قَضى أَمْراً) قدّره وحتمه (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) بعد أن يريده ويقصد إحداثه. وهذا كقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ، أي إذا أردت أن تشرع في قراءته فاستعذ بالله. وقوله سبحانه : (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، جاء لتمثيل حصول ما تعلّقت به إرادته ، بلا مهلة في الخارج بطاعة المأمور وبلا توقّف ، لا أنّها كانت هناك حقيقة أمر وامتثال لأن خطاب المعدوم غير معقول ، لأن المعدوم لا يصحّ أن يؤمر. والحاصل أن المراد بالقضاء هو إرادته سبحانه وهي فعله خارجا ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر سابق عليه.
١١٨ ـ (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ... أي جهلة المشركين ومتجاهلو أهل الكتاب (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) وهذه المقالة منهم تشبه مقالتهم التي يحكي عنها في سورة المدّثر حين يقول عزّ من قائل : يريد كلّ امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشّرة. والمقصود : هلّا يكلّمنا الله كما كلّم موسى (ع) أو يوحي إلينا أنك رسوله. وقد قالوا ذلك استكبارا وعنادا بل طلبوا أن تأتيهم آية تدل على صدقك في دعوى أنك رسول من عند الله كالتي جاء بها موسى (ع) : كالعصا ، ويده البيضاء ، وكما جاء عيسى : بإحياء الموتى وشفاء الأبرص والأعمى ، قالوها جحودا واستهانة بما جاءهم من الآيات ، واستخفافا بما أخبر موسى وعيسى (ع) في كتابيهما من العلامات والأوصاف الدّالة على صدقه في جميع ما يدّعيه ويتحدث به عن نبوّته (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) في الأيام الماضية ، قالوا مثل قولهم وطلبوا أن يكلّمهم الله أو أن تأتيهم آية ، بل قال