بل جميع أطراف الكرة الأرضية ، وجميع الكرات التي تحت الشمس والتي تشرق الشمس عليها وتغرب. وهذا المعنى أقرب للمراد من القول الكريم كما لا يخفى على أولي الأفهام (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فلما منع المشركون من قريش دخول النبي (ص) إلى مكة والبيت الحرام ، صعب ذلك عليه وعلى المؤمنين ـ ولعل ذلك قد كان في عام الحديبية ـ فنزلت الآية الكريمة تسلّيهم وتقول : إذا منعتم أن تصلّوا في المسجد الحرام فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلّوا في أية بقعة من بقاعها شئتم ، وولّوا وجوهكم شطر القبلة بدليل قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) يريد التوسعة واليسر على عباده ولا يريد بهم العسر والتضييق ، لأنه عالم بمصالحهم بجميع جهاتها. وقوله : عليم ، يدل بصيغته على كثرة علمه بذلك وبغيره.
وقد قيل إن هذه الآية نزلت في الصلوات النّفلية للمسافر على الراحلة ، وقيل إنها في صلاة التطوّع مطلقا ولا تختص بمسافر ولا براكب. وعلى القولين ، دلّت الروايات ، وعلى الحمل على التطوّع لا يشترط التولية لجهة القبلة لأنه عليهالسلام قال : تومئ إيماء أينما توجّهت دابتك وسفينتك. وفي التوحيد ، عن سلمان رضوان الله تعالى عليه : سأل الجاثليق أمير المؤمنين عليهالسلام عن مسائل منها أنه قال : أخبرني عن وجه الرّب تبارك وتعالى. فدعا عليّ عليهالسلام بنار وحطب فأضرمه. فلما اشتعلت قال عليّ عليهالسلام : أين وجه هذه النار؟. قال النصرانيّ : هي وجه من جميع حدودها قال عليّ عليهالسلام : هذه النار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها. وخالقها لا يشبهها ، وتلا الآية الكريمة : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) إلى قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ...