والمموّهون ، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة ، وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبيّ عن الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله عزوجل ، وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ، ونهاهم أن يسحروا به الناس. وذلك كمن يدلّ على السّم ما هو ، ويدلّ على ما يدفع غائلته ، ثم يقال له : إياك أن تقتل أحدا بالسّم .. قال : وذلك النبيّ أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلّماهم ما علّمهما الله من ذلك ، ويعظاهم. فشرعا في التعليم والوعظ والنّصح كما أخبر الله عن ذلك (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا : إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) فينصحان من يعلّمانه ويخبرانه أنهما ابتلاء من الله واختبار ، ثم ينهيانه عن التعلّم إذا كان يريد أن يعمل بما تعلّمه ويقع في الامتحان والاختبار.
ولمّا كان الله قد أنزل علم السحر على الملكين ، فإننا نستكشف عدم حرمة تعلّمه ، والمحرّم هو العمل به حين يستعان في تحصيله على التقرب من الشياطين وتسخير الجنّ ، واستعمال الحيل والمكر وإتيان الباطل وإظهاره بصورة الحق مخادعة للناس وتمويها عليهم ، وإبرازا له بشكل المعجزة التي تغيّر الواقع شعوذة وخيالا. والحاصل أن تعلّم السحر كتعلّم كتب الضلال. فإن تعلّمها وشراءها وبيعها لا يحلّ إلا في في حالة واحدة تتلخّص في فهمها والردّ عليها ودحض مطالبها.
(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) مما تتلو الشياطين ومما أنزل على الملكين (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) أي سحرا يكون سببا للتفريق بينهما ، كأن يدفن كتاب في مكان كذا وكذا ، أو يوضع تحت عتبة باب الرجل «مثلا» كتاب يؤدي مفعوله إلى الفراق بينه وبين زوجه ، أو على العكس. (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) أي أن الذين يفعلون ذلك لا يلحقون ضررا بأحد (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره ومشيئته ورخصته. وإنه «تعالت قدرته» لو شاء لمنع حدوث ذلك قهرا وجبرا ،