بكمال الله وجلاله وعظمته من غير تشبيه ولا تكييف بل التزم بقول الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وأنكر على المشبهة كما أنكر على المعطلة. وأوضح أن الرد على من وقع فى التشبيه لا يكون بنفى هذه الصفات وإنما بإثباتها على الوجه الّذي تقدم.
يقول شارح الطحاوية : قال نعيم بن حماد : من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله نفسه ولا رسوله تشبيه. وقال إسحاق بن راهويه : من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم. وقال : علامة جهم وأصحابه : دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة. بل هم المعطلة (١).
ويقول فى موضع آخر : وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) رد على المشبهة وقوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) رد على المعطلة. فهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال ، وليس له فيها شبيه. فالمخلوق وإن كان يوصف بأنه سميع بصير ـ فليس سمعه وبصره كسمع الرب وبصره ، ولا يلزم من إثبات الصفة تشبيه ، إذ صفات المخلوق كما يليق به وصفات الخالق كما يليق به. ولا تنف عن الله ما وصف به نفسه وما وصفه به أعرف الخلق بربه وما يجب له وما يمتنع عليه ، وأنصحهم لأمته ، وأفصحهم وأقدرهم على البيان فإنك إن نفيت شيئا من ذلك كنت كافرا بما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإذا وصفته بما وصف به نفسه فلا تشبهه بخلقه ، فليس كمثله شيء. فإذا شبهته بخلقه كنت كافرا به (٢). ويقول أيضا : ومما يوضح هذا : أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلى يستوى فيه الأصل والفرع ، ولا بقياس شمولى يستوى أفراده فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء ، فلا يجوز أن يمثل بغيره ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوى أفرادها ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة فى المطالب الإلهية ـ لم يصلوا بها إلى اليقين
__________________
(١) شرح العقيدة الطحاوية ص : ١٢٠ ـ ١٢١.
(٢) المصدر السابق : ص : ١٤٣ ـ ١٤٤.