وهذه معانى الاستواء المعقولة فى كلامهم ليس فيها معنى استولى البتة ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يعتمد قولهم ، وإنما قاله متأخر والنحاة ممن سلك طريق المعتزلة والجهمية (١). اه.
واستواء الله على عرشه الوارد فى الآيات جاء مقيدا «بعلى» فلا يصح إلا أن يكون على معنى العلو أو الارتفاع (٢).
ثم إنه ظهر مقابل هؤلاء النفاة : المشبهة كالكرامية الذين غلوا فى الإثبات وقالوا : إن الله عزوجل مماس للعرش (٣).
يقول ابن تيمية : فإنه إذا قال القائل : لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساويا. وكل ذلك من المحال ونحو ذلك من الكلام : فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأى جسم كان على أى جسم كان ، وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم. أما استواء يليق بجلال الله ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التى يجب نفيها ، كما يلزم من سائر الأجسام.
وقوله : إذا كان مستويا على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو الفلك ، إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا فإن كليهما مثل وكليهما عطل حقيقة ما وصف الله به نفسه.
وامتاز الأول : بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقى.
وامتاز الثانى : بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين.
__________________
(١) هذا أحد الأوجه الاثنتين والأربعين. انظرها جميعها فى مختصر الصواعق المرسلة ٢ / ١٢٦ ـ ١٥٢ ، وانظر فى نقض هذا الادعاء أيضا : الإبانة للأشعرى ص : ٤٨ ـ ٤٩ ، والأسماء والصفات للبيهقى ص : ٤١٢.
(٢) وبهذا فسر السلف الاستواء. انظر : فتح البارى ١٣ / ٤٠٣ ، وغاية الأمانى فى الرد على النبهانى ١ / ٤٦٠ ، والإتقان للسيوطى ٢ / ٧٠٦.
(٣) انظر : مقالات الإسلاميين ١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، الفرق بين الفرق للبغدادى ص : ٢١٥.