باب آخر
قال أحمد رضى الله عنه : ثم إن الجهمى ادعى أمرا آخر فقال : أنا أجد آية فى كتاب الله تدل على أن القرآن مخلوق قوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (١) فزعم أن الله تعالى قال : القرآن محدث وكل محدث مخلوق فلعمرى لقد شبه على الناس بهذا وهى آية من المتشابه فقلنا فى ذلك قولا واستعنا بالله ونظرنا فى كتاب الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال أحمد رضى الله عنه : اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا فى اسم واحد يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر ثم جرى عليهما اسم مدح كان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه وإن جرى عليهما اسم ذم فأدناهما أولى به. من ذلك قول الله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢) ، و (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٣) يعنى الأبرار دون الفجار فإذا اجتمعوا فى اسم العباد واسم الإنسان فالمعنى به فى قول الله تعالى : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٣) يعنى الأبرار دون الفجار لقوله إذا انفرد الأبرار (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) (٤) وإذا انفرد (ق ١٧ / ب) الكفار : (إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (٥) وقوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٦) فالمؤمن أولى به. وإن اجتمعا فى اسم الناس لأن المؤمن أعطى المدحة لقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٧) ، (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٨) وإذا انفرد الكفار جرى عليهم الذم فى
__________________
(١) سورة الأنبياء / ٢.
(٢) سورة الحج / ١٣.
(٣) سورة الإنسان / ٦.
(٤) سورة الانفطار / ٦٥.
(٥) سورة الانفطار / ١٤.
(٦) سورة البقرة / ١٤٣.
(٧) سورة الحديد / ٩.
(٨) سورة الأحزاب / ٤٣.