جبرائيل محمدا القرآن وهو شديد القوى (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) (١) إلى أن قال : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (٢) فسمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا.
قال ثم إن الجهمى ادعى شيئا آخر فقال : أخبرونا عن القرآن هو شيء. قلنا : نعم هو شيء. قال : إن الله خالق كل شيء فلم لا يكون القرآن مع الأشياء المخلوقة وقد أقررتم أنه شيء.
فلعمرى أنه ادعى أمرا أمكنه الدعوى فيه ولبس على الناس بما ادعى فقلنا إن الله لم يسم كلامه فى القرآن شيئا (إنما سماه الّذي كان يقول) (٣) ألم تسمع إلى قوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤) فالشيء ليس هو قوله إنما الشيء الّذي كان بقوله وقال فى آية أخرى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً) (٥) فالشيء ليس هو أمره إنما الشيء الّذي يأمره (٦).
ومن الأعلام والدلالات أنه لا يعنى كلامه مع الأشياء المخلوقة قوله فى الريح التى أرسلها على عاد : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) (٧) وقال : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) (٨) وقد أتت تلك الريح على أشياء لم تدمرها منازلهم ومساكنهم والجبال التى بحضرتهم قد أتت عليها تلك الريح ولم تدمرها وقال : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) فكذلك إذا قال : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٩) لا يعنى نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة ، وقال لملكة سبأ : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (١٠) وقد كان ملك سليمان شيئا لم تؤته فكذلك إذا قال : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لا يعنى كلامه مع الأشياء المخلوقة وقال الله لموسى : (وَاصْطَنَعْتُكَ
__________________
(١) سورة النجم / ٦.
(٢) سورة النجم / ١٠.
(٣) فى المطبوع : إنما سمى شيئا الّذي كان يقوله.
(٤) سورة النحل / ٤٠.
(٥) سورة يس / ٨٢.
(٦) فى المطبوع : الّذي كان يأمره.
(٧) سورة الذاريات / ٤٢.
(٨) سورة الأحقاف / ٢٥.
(٩) سورة الرعد / ١٦ ، وسورة الزمر / ٦٢.
(١٠) سورة النمل / ٢٣.